السبت الذي يقدمه ترمب والأحد الذي لا يأتي



 

يراهن المرشح الجمهوري دونالد ترمب على أشياء كثيرة للفوز بالمكتب البيضاوي في البيت الأبيض، ولكنه يراهن على صوت الناخب اليهودي أكثر ربما من سواه.

 

ورغم أنه راهن عليه في سباق 2020، ورغم أنه خسر يومها الرهان، فإنه يعود ليراهن على الصوت نفسه من جديد، ويصل رهانه عليه إلى حد يصبح معه الرهان هاجساً لا يفارق صاحبه لا في ليل ولا حتى في نهار.

 

والشيء الغريب أن المرشح الجمهوري قدّم السبت كما نقول نحن هنا في المنطقة، لعله يجد الأحد في انتظاره، غير أنه فوجئ عند الحصيلة النهائية في السباق الماضي، أن السبت الذي قدّمه كان من دون عائد في صناديق الاقتراع، وكان من غير جدوى في مجمل حصيلة السباق.

 

كان قد قدّم السبت، فقرّر نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وكانت خطوة غير مسبوقة على مستوى المرشحين الرئاسيين الذين تعاقبوا على السباقات الرئاسية منذ قيام الدولة العبرية، ولكنه فعلها عادّاً أنها السبت، وأن الأحد لا بد أنه في الطريق، فخسر السبت الذي قدّمه، ولم يحصل على الأحد الذي انتظره وترقّبه في آخر أشواط السباق.

 

ولم يكن نقل السفارة هو السبت الوحيد، وإنما كان إلى جواره أكثر من سبت، سواء من خلال تحريض عواصم أخرى على نقل سفاراتها، وسواء كان ذلك بالترهيب مرة وبالترغيب مرات، غير أنها كلها أيام سبت قد راحت تطيش في النهاية فلا تصيب هدفاً ولا تحقق غرضاً.

 

وكان السبت الأكبر من جانبه يوم أن راح يتبنى ما سُمي «صفقة القرن» لصالح إسرائيل، ثم ما اشتهر بعدها باتفاقيات السلام الإبراهيمي، التي جمعت بين تل أبيب وأربع عواصم عربية على طاولة واحدة، وكان يعلن أنه سيزيد عدد العواصم العربية المنخرطة في هذه الاتفاقيات حين يفوز، ولكنه قدّم هذا كله وسواه ثم غاب عنه الأحد لسبب لم يستوعبه في حينه، ولا حتى بعد ذلك، ولا دليل على ذلك إلا أنه عاد يفعل الشيء نفسه للمرة الثانية ثم يتوقع نتيجة مُغايرة.

 

ففي هذه المرة الثانية عاد يقول إنه لن يستقبل لاجئاً في بلاد العم سام يكون قد جاء من غزة أو حتى من فلسطين في العموم. يقول هذا على سبيل الوعد الانتخابي الذي سيلتزم به، إذا ما أسعفه الصوت اليهودي وأخذه إلى البيت الأبيض مرة ثانية.

 

ولكن الواضح أن الشك يساوره، وأنه ليس على يقين من أن هذا الصوت سيسعفه، ولذلك تراه يتحسب مسبقاً ويقول إنه إذا خسر السباق، فإن المسؤولية عن خسارته ستقع جزئياً على الناخبين اليهود في الولايات المتحدة. وهو يعرف أن اليهود الأميركيين تاريخياً يميلون إلى التصويت لصالح المرشح الديمقراطي، وأن هذا هو ما حصل في سباق 2020، الذي صوتوا فيه مع مرشح الديمقراطيين بايدن، رغم أنه لم يقدّم السبت لهم كما قدّم ترمب!

 

وعندما جرى استطلاع رأي عن اتجاه الصوت اليهودي في سباق 2024 جاءت المؤشرات تقول إن ستين في المائة من يهود الولايات المتحدة سيصوتون مع كامالا هاريس مرشحة الحزب «الديمقراطي»، وهذا ربما هو الذي جعل المرشح «الجمهوري» يتحدث عن خسارة له متوقعة، وعن مسؤولية جزئية فيها تقع على الذين قدّم ويقدّم لهم السبت ثم لا يعودون هُم له بالأحد.

 

ولا شيء أقرب إلى هذا المعنى إلا ما كان العقاد يردده في حياته. كان يقول إن الحكومة المصرية ظلت كلما أرادت محاربة الشيوعية نشرت مؤلفاته وأذاعتها بين الناس، وإذا رشحت أحداً لجائزة «نوبل» رشحت طه حسين!

 

وإذا كان استطلاع سباق 2024 يقول إن أكثر من نصف الأصوات اليهودية الأميركية بقليل سيذهب إلى المرشحة الديمقراطية، ففي سباق 2020 كان الذين صوتوا للمرشح الديمقراطي أكثر من ثلاثة أرباع اليهود هناك. وعلى وجه التحديد كانوا 77 في المائة حسب دراسة جرت عن اتجاهات التصويت بعد انتهاء السباق بأيام.

 

ولا يجد المرشح الجمهوري شيئاً يستحث به الناخب اليهودي إلا أن يقول إن انتخاب هاريس معناه زوال إسرائيل خلال عامين. ولا نعرف لماذا عامين تحديداً، وليس عاماً ونصف العام مثلاً، ولماذا ليست ثلاثة أعوام؟

 

ثم إن هاريس قالت صراحة إن حديثها عن ضرورة إنهاء الحرب في غزة، لا يعني تحللها من مسؤوليتها تجاه إسرائيل، فهي كما ذكرت صراحة ملتزمة بما التزم به كل رئيس أميركي سابق، وهو أمن وسلامة إسرائيل في مكانها بين العرب. وليس لغيابها عن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس معنى في هذا السياق، لأن العبرة بما سوف تفعله عندما تفوز لا بما تقوله أو حتى تفعله الآن.

 

لو كان المرشح الجمهوري يعيش بيننا هنا، لكان قد تعلّم من القول الذي يؤكد أن المؤمن لا يُلدغ من جُحر مرتين، ولكن لأن ترمب نفسه تكلم عن أن الصوت اليهودي كان تاريخياً يذهب للديمقراطيين، فالراجح أن الجمهوريين قد اعتادوا لدغات هذا الصوت من سباق إلى سباق.