اعتقالات حوثية تطال قيادات مؤتمرية وأكاديميين



يبدو أن حرية الرأي والتعبير في مناطق سيطرة ميليشيا عبدالملك الحوثي كانت ولازالت قضية نقاش وجدال، استحوذت على اهتمام الشارع اليمني، خاصة بعد إقدام الميليشيا الحوثية على اعتقال قيادات مؤتمرية وأكاديمية في العاصمة صنعاء يوم الاربعاء الماضي على رأسهم القيادي المؤتمري الشيخ أمين راجح والأكاديمي الدكتور سعيد الغليسي وعدد آخر تم القبض عليهم واقتيادهم إلى جهاز المخابرات التابع لميليشيا الحوثي، في كل مرة تُظهر ميليشيا الحوثي درجة معينة من أساليب القمع والتنكيل مع كل الأصوات المعارضة لها، وهو الأمر الذي تتخذه الميليشيا لتخوييف معارضيها في الداخل، حيثُ تقوم بإعتقال كبار القوم لكسر هيبتهم أمام الشارع اليمني، وهي سياسة تقوم على التخويف والترهيب لكي لا يفكر أحد بمعارضتهم أو حتى التفكير في ذلك، وعندما يرى المواطن العادي كيف نُكل بالمشائخ والأكاديميين دون مراعاة للمكانة التي يحظون بها بلاشك سيختار الصمت وتجنب أي نوع من أشكال المعارضة، وهذا ما ترمي وتسعى إليه ميليشيا الحوثي.

 

ما يصحُ الآن كان بالأمس محرماً، لم يسبق لنظام قط كان ديمقراطي أو ديكتاتوري أن أقدم على جرف الآف المواطنين لمعتقلاته السرية كما يفعل اللصوص وقطاع الطرق، يجب أن نتخلص من فكرة التضامن ومن أسمالِ الشعارتية والتقريرية والصراخ المُبكي الأجوف الذي يُعيق حرية الكلمة والفرد، ما تقوم به ميليشيا الحوثي كل يوم تجاوز الظلم الذي لم تعرفه البشرية قط، وأمام كل هذا البُكاء على حائط العجز نخسر كل يوم رجال مكبلون خلف الأسوار، نخسر كرامتنا وقيمتنا الإنسانية، إلى متى يجب علينا التنديد والصراخ الذي لا يزيد قاتل الاطفال والنساء والشيوخ إلا قوة؟! هل بات الحوثي قدرنا الذي لا مناص منه؟! يبدو أننا أصبحنا أمام مرحلة صعبة، إما الانتصار لكرامتنا وللمظلومين في معتقلات الحوثي أو انتظار قدومه علينا وجرنا على وجوهنا إلى حيث العذاب الذي لاشمس فيه ولا نوم.

 

ما تعرض له القيادي المؤتمري الشيخ أمين راجح والأكاديمي الدكتور سعيد الغليسي أمر كان متوقعاً ولكنه تأخر، من يُقارع ويتحدى الكهنة في مناطق سيطرتهم لايمكن له أن يعيش طويلاً في منزله وبين أهله، هناك حيث الظلام والموت والعذاب والخوف والجوع منازلهم، هكذا يقول عبدالملك الحوثي واتباعه، نحن اليوم أمام ميليشيا تُكرس الخوف في قلوب الملايين بغية تطويعها للتسليم لها وتدجين مجتمع كامل بخرافاتها الغابرة، يجب علينا تجاوز مرحلة التضامن التي لا تعبر إلا عن الضعف والهوان والذُل، لم نكن يوماً عبيد لحاكم، ولا عُملة في جيب أحد، خُلقنا أحرار ويجب أن نعيش ونموت عليها.

 

كيف انتهى عصر الحِبر والديمقراطية وصحف المعارضة ومنابر الإعلام المختلفة وتغيرت تلك المعالم الجميلة في هذه السرعة؟! نبحث عن الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح بين كل هذا، نبحث عن دولة صالح وحرية صالح والفضاء الكبير الذي كنا نحظى به في عهده، نبحث عن السقف العالي الذي منحنا إياه صالح لِنُعبر عما نُريد ونعارض كما نُريد، لم يعد لدينا سقف للحرية، لقد هُدم السقف علينا جميعنا، وبتنا بلا حِبر ولا كلمة أو حرية، في أواخر حُكم الشهيد صالح كُنتُ أقرأ لمئات المقالات الصفراء التي تُحرض على الدولة وعلى صالح شخصياً، وكُنت أستغرب ما الذي يمنع الرئيس من اعتقال هؤلاء المحرضين مروجي الشائعات، حينها لم أكن أُدرك تسامح صالح معهم، لكني اليوم أدركتُ هذا الأمر وأنا أشاهد مشائخ وقيادات وأكاديميين يجرهم الحوثي لمعتقلاته دون أن يُراعي فيهم مكانتهم ووزنهم داخل المجتمع، لقد عَبر بنا الحوثي إلى ماكان يرفضه صالح، تجاوز وداس وسجن وعذب وقتل، وما زلنا ندور في حلقة مفرغة ولا نملك سوى التضامن الذليل.

 

ثم كيف ينظر عبدالملك الحوثي إلى نهايته؟! التي أشك أنها تخاطبهُ أو تُخاطب وعيه الجاهل أو قلقه، كيف ينظر إلى خلاصهِ الأبدي؟ كيف يبحث عن حلول وهو يرى مصيرهُ وكأنها شمس لابد من غروبها؟ آلاف المشاهد لنهايته تبدو لي متشابهة، ولستُ أرى سوى مشهد واحد فقط يمكن انتظاره، يبدو لي عبدالملك الحوثي من جهة مغايرة تماماً وهو حبيس كهفهِ وتاريخهِ ونظرتهِ النمطية للأشياء، كيف لنا أن نضعهُ على خريطة ثورتنا الآتية؟ هذا ما يجب أن نعمل من أجله ونسعى له، ربما أكون مخطئاً في قولي هذا، لكن النهايات لابد منها وهي قدرنا، وبالطبع قد يكون هُنالكَ استثناءات وحسابات خارجية قد تكون مؤثرة وفاعلة، لكنها لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وفي النهاية خيار اليمنيين وحساباتهم هي من ستُحدد المرحلة المقبلة وأهدافها مهما كانت الأجندات المفروضة علينا.