أنا واستاذي الشاعر



في ليلة من ليالي فصل الربيع المقمرة والنجوم المتلائلة ورائحة الحنون التي تتدفق من الأشجار المحيطة والقريبة من مركز الشرطة والتي يتدفق عبير شذاها واريجها الفواح الأخاذ من حوافي الشيخ عثمان العريقة وبالتحديد من جوار مقهاية الشجرة التي هي خلف مركز الشرطة المجاورة لسوق الخامري وكانت رائحة الفل والإزاب والبعيثران والكاذي والخوع (المشموم) التي تنبعث من سوق البلدية من مفرش الرجل الطيب و الذي كان يدعى ملك الفل والكاذي والمشموم المرحوم سعيد حليس وكانت تأتي سيارات التجار الموردين للفل من لحج مع تباشر بزوغ خيوط الفجر الأولى ليثم حراج الفل مع المحرج المشهور الحاج شرف والد الممثل المشهور ابو الريش وتوزيعه على اصحاب المفارش حيث كنت في تلك الليلة مناوب في مركز شرطة الشيخ عثمان والتي صادف في تلك الليلة هدوء واستقرار نسبي من القضايا وشكاوى المواطنين الذين كانوا يترددون على مركز الشرطة لحل قضاياهم ولم تكن في تلك الفترة الزمنية وللأمانة فيها قضايا ومشاكل مثلما هو حاصل اليوم للأسف الشديد كانت قضايا جنائية بسيطة ومتوسطة وجنح تعالج في حينها في مركز الشرطة وان كبرت قليل تحال مباشرة للنيابة دون تأخير وفقاً للقانون٠

 

ولست اليوم بصدد الحديث عن عمل مركز الشرطة ونوع القضايا والمشاكل التي كنا نواجهها في تلك الفترة الزمنية من الثمانينيات ولكني اود ان اتحدث عن تلك الليلة الرائعة والمتميزة والتي صادفت خروجي من مركز الشرطة نظراً لحالة الهدوء وعدم وجود قضايا ومشاكل تلزمنا البقاء داخل غرفة النوبة فخرجت إلى جانب البوابة الخارجية وجلست في النوبة الخشبية التي كانت بجوار بوابة المركز وفجأة مر من امامي أستاذي الشاعر المرهف الرقيق الشاعر الحساس الذي كنت انا احد المعجبين جدا جداًً بكلماته واشعاره وقصائده الغنائية والتي غنى له الكثير من الفنانين والمطربين الكبار امثال المسيقار احمد بن احمد قاسم وفرسان خليفة ومحمد عبده زيدي وفتحية الصغيرة واحمد علي قاسم وصباح منصر وامل كعدل وجعفر عبدالوهاب ويوسف احمد سالم ومحمد سعد عبدالله واخرين لايتسع المجال لذكرهم٠

 

 

أشرت ولوحت له بيدي وسلمت عليه وجاء وجلس إلى جواري بكل تواضع الكبار وكنت سعيد جدا بوجوده معي ودار بيننا حديث طويل وممتع وذو شجون وكان يعتمل في داخلي سؤال من معلومة عرفتها من صديق كان من كبار العازفين وضابطي الإيقاع وهو المرحوم انور احمد راجح وهي معلومة لا يعرفها الكثير من الناس فستأذنته بالسؤال وذلك حول خلاف حصل بين استاذي الشاعر الغنائي الكبير عبدالله عبدالكريم والفنان العاطفي الكبير محمد سعد عبدالله حول القصيدة الغنائية التي غناها الفنان الكبير محمد سعد عبدالله وهي بعنوان (بصراحة) وسجلت كلمات الأغنية بإسم الفنان محمد سعد عبدالله فأبتسم لي وكان صريح معي بصراحة وقال لي كيف عرفت٠؟ قلت له من صديق يعمل في الوسط الفني فأجاب وقال لي صحيح حصل خلاف بيني وبين الفنان محمد سعد لأني اعطيته هذه القصيدة ليغنيها ولكنه اضاف وعدل فيها دون الرجوع لي وسجلها بأسمه وكان ذلك سبب الخلاف بيننا وفي الأخير اتصالحنا واعتذر لي وتنازلت له بالقصيدة والتي يقول في مطلعها بالصراحة كنت في الماضي حبيبي ياحبيبي كنت بالنسبة لي اكثر من حبيب بالصراحة كنت اعيش في وهم في احلام والأقدار صحتني على السر الرهيب واتضح لي إنك نويت الجفاء والهجر من بعد المودة ناوي تجرحنا تخلي جرحي ماتقدر عليه كل الأطباء وبعد هذا مستحيل أن قلبي لك يميل وشوف دا القلب الذي حبك وعادك في ربيعك قد نسى حبك ولازم زيما بعته يبيعك كنت قانع بك ولو تغضب اراضي بك وحايل ياما حاولت اسعدك وارضيك انا بشتى الوسائل٠

 

وفي اثناء الحديث قال لي انا من محبين المسيقار احمد بن احمد قاسم وعلاقتنا قوية وغنى لي الكثير من الاغاني وفي ليلة اتصل بي وهذه المعلومة مايعرفها اي احد وسوف اقولها لك وكان استاذي القدير وشاعر الأغنية العدنية الرقيقة المتميزة في حالة من الصفاء والتجلي وواصل واسترسل حديثه معي وهو يقول في ليلة اتصل بي احمد قاسم وقال لي ضروري تجي لي إلى البيت وفعلاً ذهبت إليه وكانت ڤلته (الشمس) الكائنة في مدينة خورمكسر وكان الوقت متأخر وجلست إلى جوره وقلت له خير يأستاذ احمد وقال لي اشتيك تكتب لي قصيدة زي قصيدة سألني الليل ونجوم الليل للمسيقار الراحل فريد الأطرش وفعلاً قمت في تلك اللحظة بكتابة قصيدة اجيت ياليل تسألني على قلبي واحوالي ورديت انا ياليل فؤادي اليوم صبح خالي وفي نفس اللحظة اخذ احمد قاسم العود ودوزن العود ودندن ولحن القصيدة في نفس الليلة و بعدها سجلها في الإذاعة والتلفزيون وكانت من اشهر واروع الأغاني التي غناها المسيقار احمد بن احمد قاسم وكانت هذه من اروع الذكريات التي جمعتني بها الصدفة مع استاذي القدير والشاعر الكبير عبدالله عبدالكريم٠