أخبار عربية

الوضع الأمني المتشظي في درعا يشير إلى مستقبل سوريا بلامركزية


       
تبرز خرائط السيطرة في سوريا أن محافظة درعا الجنوبية تقع داخل دائرة سلطة نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ويبدو هذا صحيحا بالنسبة للقوة الشاملة في تلك المنطقة. لكن الباطن يختلف عن الظاهر.
 
وعندما استعاد النظام السيطرة على المحافظة في سلسلة من صفقات “المصالحة” في 2018، كان يجب أن يقرر ما يجب فعله مع جميع مقاتلي الجيش السوري الحر الذين كانوا على استعداد للتأقلم مع دمشق.
 
وقرر النظام السوري وروسيا السماح للمتمردين المستسلمين بالاحتفاظ بأسلحتهم الصغيرة، شريطة أن يعملوا تحت رعاية الجيش أو أحد الأجهزة الأمنية الرئيسية. وقبِل الآلاف هذا العرض.
 
ولم يكن هذا نوعا من الإحسان، بل كان ترتيبا براغماتيا غطى على نقاط ضعف النظام الهيكلية. فقد غابت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام عن مساحات شاسعة من المحافظة الجنوبية بين 2013 و2018. وعوّضتها جهات أمنية محلية جديدة تابعة للمعارضة حشدت أنصارا محليين.
 
وجاء في تقرير نشره موقع سيريا إن ترانزيشن (سوريا في طور الانتقال) أنه باستمالة النظام لهؤلاء الثوار السابقين تمكن من تهدئة المنطقة بتكلفة منخفضة نسبيا، لكن النتيجة كانت نوعا من السلطة المحلية التي أصبح قادة المتمردين في ظلها مسؤولين أمام النظام ولكنهم ظلوا يتمتعون باستقلالية كبيرة.
 
ويُنظّم هؤلاء المتمردون السابقون في مجلس يسمى اللجنة المركزية. وأصبحت تلك هي القناة الرئيسية التي تمارس دمشق من خلالها السلطة في درعا.
 
الأمن الذي توفره اللجنة
فصائل اللجنة المركزية تواصل اعتبار نفسها ثورية مناهضة للنظام. لكنها لم تكن لتتواجد لو لم تكن مفيدة له
 
تتخذ اللجنة المركزية من مدينة درعا القديمة مقرا لها. وتتشكل من قادة المتمردين السابقين الذين كانوا تابعين للجبهة الجنوبية ويدعمهم مركز العمليات العسكرية في العاصمة الأردنية عمان المدعوم من وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
 
ويهيمن على هذه اللجنة المركزية قادة سابقون لفصيل من الجيش السوري الحر (لواء المعتز بالله)، الذي كان يسيطر على النصف الغربي من درعا قبل 2018. وتفرعت اللجنة المركزية مؤخرا وأنشأت مستنسخات مصغرة تعرف باسم اللجان المجتمعية في بلدات وقرى ريف درعا الغربي، وهي تشكل أهم قاعدة قوة لها.
 
ومن بين أعضاء اللجنة المركزية محمود البردان، المعروف أيضا باسم أبومرشد البردان، الموجود في مدينة طفس في الريف الغربي من محافظة درعا. وهو يقود مجموعة مسلحة مكونة من 100 مقاتل يمكن أن تتضخم إلى 500 عندما يحشد عشيرته. وهو مدعوم من منظمات المهاجرين مثل تجمع أهل حوران، الذي يوجه المساعدات الإنسانية إلى السكان المحليين، مما يمنحه نفوذا ماليا وثقلا اجتماعيا مهما.
 
ويتواجد مؤيد تركي الأقرع، المعروف أيضا باسم أبوحيان حيط، في منطقة حوض اليرموك الإستراتيجية ويقود 75 مقاتلا يمكن أن يتحولوا أيضا إلى 500 بدعم من العشائر. وكان رسميا جزءا من جماعة أحرار الشام. ولا يزال يتلقى دعما ماليا من قيادة أحرار الشام في إدلب رغم اتفاق المصالحة الذي وقعه في 2018. ويعمل بفضل خلفيّته الإسلامية وسيطا مدفوع الأجر في الصفقات بين النظام والجماعات الجهادية.
 
وعملت مجموعة باسل الجملاوي، المعروف أيضا باسم أبوكنان القصير، المكونة من 200 مقاتل في سنة 2018 تحت قيادة الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد. ثم انضمت إلى الأمن العسكري بعد رفضها الانتشار في شمال غرب سوريا. ومن المعروف أن الجملاوي يركز على قمع الجهاديين ومهربي المخدرات.
 
ويسهر المتمردان السابقان رامي الحشيش وأدهم الزينب على تنفيذ أوامر اللجنة المركزية في بلدة العجمي. ويجري الشيخ يوسف البكار هذه المهمة في تل شهاب. ويبرز في المزيريب اسم عايد الزعبي، وفي اليادودة اسم محمد الخطيب، المعروف أيضا بالمختار. ويرأس صلاح مفتاح مجموعة من 60 شخصا في زيزون، وتعمل في إطار اللجنة المركزية. ويعدّ بلال الحريري رجل اللجنة المركزية في داعل.
 
ولدى ما يُعرف شعبيا باسم “فصائل اللجنة المركزية” هيئة قضائية خاصة بها لحل النزاعات المحلية تحت قيادة الشيخ عبدالرزاق المصري، الملقب بأبي عبادة. كما تدير اللجنة المركزية شبكة سجونها الخاصة.
 
الاتصال الخاص
الهيكل الأمني اللامركزي قد لا يكون السيناريو الأسوأ مع وجود رغبة في نهاية سيطرة النظام الأمنية المباشرة
 
تواصل فصائل اللجنة المركزية اعتبار نفسها ثورية مناهضة للنظام. لكنها لم تكن لتتواجد لو لم تكن مفيدة له. وتتماشى أهدافها المعلنة المتمثلة في قمع الجماعات الجهادية مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة (أو “هيئة تحرير الشام” مثلما لا تزال تسمى في درعا)، ومكافحة المخدرات والحفاظ على القانون والنظام، مع أهداف النظام المعلنة. ويعدّ التنسيق الوثيق مع العميد لؤي العلي، المسؤول عن فرع الأمن العسكري في جنوب سوريا، أمرا بالغ الأهمية.
 
وينسق محمد فريد البردان بين اللجنة المركزية والعلي. وينقل تعليمات العلي إلى اللجنة المركزية وينقل إليه طلباتهم واحتياجاتهم. وهذا ما يقلل من الحاجة إلى عقد اجتماعات علنية بين أعضاء اللجنة المركزية والأمن العسكري، بما يساعدهم على الحفاظ على صورتهم الثورية.
 
ونالت اللجنة المركزية امتيازا قيما من العلي. وهي المسيطرة على الأراضي الزراعية الشاسعة التي تملكها الدولة.
 
وتشمل هذه مزرعة ألبان تبلغ مساحتها ألف هكتار، و”المزرعة الليبية” التي تبلغ مساحتها ألفي هكتار (سميت بذلك لأنها منحت لمعمر القذافي بدلا من القروض غير المسددة). كما وضعت أراض أخرى مملوكة للدولة في بلدة زيزون والمزيريب تحت وصاية اللجنة المركزية. وتشمل مسؤوليتها أيضا إدارة سدود الري في حوض اليرموك، حيث يتوجب على المزارعين الراغبين في استخدام المياه دفع رسوم.
 
وللجنة المركزية أعداؤها، بما في ذلك النظام نفسه، حيث يُعتقد أنه نظّم عدة اغتيالات لأعضاء متمردين. وكان منهم راضي الحشيش، الذي قُتل في ديسمبر 2023 أثناء عودته من اجتماع عاصف مع العلي.
 
ونطرح هنا مسألة اللواء الثامن من الفيلق الخامس المدعوم من روسيا الذي يسيطر على النصف الشرقي من محافظة درعا ويعمل أيضا تحت رعاية الأمن العسكري.
 
ويتشكل اللواء الثامن من فصيل الجيش السوري الحر التابع لقوات شباب السنة في بلدة بصرى الشام الذي انشق وانضم إلى الروس في 2018، ويطمح للسيطرة على المحافظة بأكملها. وصد أعضاء اللجنة المركزية المتأصلون في عشائر الريف الغربي هذا الجهد بالطبع.
 
ويقود يونس البردان وأبوعمر الجراد (الملقب عبيدة) في طفس، على سبيل المثال، جماعة النصرة التي يُعتقد أن قوامها نحو 80 فردا. وتشكلت جماعة أخرى من جبهة النصرة بقيادة أمجد المازل في بلدة اليادودة القريبة. وتنشط خلايا نشطة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في ريف درعا الغربي، بقيادة براء الزعبي وحابس كيوان، بالتواطؤ مع المخابرات الجوية. ويبقى التوتر بين هذه الجماعات واللجنة المركزية متجذرا. وكثيرا ما يتهم كل من تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة اللجنة بالخيانة وبيع قضيتهم. ويعتمدون القوة المميتة أحيانا.
 
القادم
الهيكل الأمني اللامركزي بحكم الأمر الواقع قد لا يكون السيناريو الأسوأ بما أن العديد من السوريين يرغبون في نهاية سيطرة النظام الأمنية المباشرة
 
ليس للأعضاء العاديين في مجموعات اللجنة المركزية أي انتماء أيديولوجي شامل أو هدف مشترك. فبعد “سقوط الجنوب” في 2018، خسر معظمهم احترامهم لقادتهم بسبب تعاونهم العلني مع النظام وانخراطهم العرضي في تجارة المخدرات.
 
ويكمن أساس اللجنة المركزية المنطقي في الحفاظ على الذات، أو بعبارات أكثر ثورية، إنقاذ ما يمكن إنقاذه من فكي الهزيمة العسكرية.
 
وتطور الجيش الوطني السوري الذي أنقذته تركيا مما تبقى من الجيش السوري الحر في شمال سوريا بطريقة مماثلة: أمراء حرب غامضون أيديولوجيا يحكمون، ويجنون عائدات الأراضي، مقابل الخدمات الأمنية.
 
وقد يبدو هذا تطورا سلبيا. لكن الهيكل الأمني اللامركزي بحكم الأمر الواقع قد لا يكون السيناريو الأسوأ بما أن العديد من السوريين يرغبون في نهاية سيطرة النظام الأمنية المباشرة.
 
وقد يمهد هذا الطريق في الوقت المناسب لهيكل أكثر مؤسسية ومهنية. وقد يكون الدرك الوطني السوري المركز على مكافحة الإرهاب والتهريب نتيجة جذابة لأصحاب المصلحة الخارجيين الذين نشروا جنودا على الأرض وينتظرون الفرصة للعثور على مخرج مُشرّف.