أخبار عربية

تأمين تكاليف رؤية السعودية 2030 محل جدل


       
 باتت التكاليف الباهظة لتنفيذ روية السعودية 2030 محل جدل بسبب اعتمادها شبه الكامل على المداخيل النفطية غير المستقرة مع زيادة الإنتاج من خارج منظمة أوبك وتفاقم التوترات الجيوسياسية. وتتباهى المملكة العربية السعودية بأنها البلد المنتج للنفط بأدنى تكلفة في العالم وقد استفادت من هذه الميزة إلى أقصى حد.
 
وتقول المحللة الاقتصادية إيرينا سلاف في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي إن هذه التكلفة أصبحت أقل أهمية في خضم خطط الإنفاق الطموحة لاقتصاد متنوع، لأن سعر التعادل المالي للنفط، الذي يشهد ارتفاعا، هو الأهم في هذا المجال. وحذر صندوق النقد الدولي خلال السنة الحالية من أن السعودية ستحتاج، كي تحقق التعادل، إلى أن يبلغ سعر النفط 96.20 دولار للبرميل. وقال إن أيّ رقم أقل من ذلك سيعني عجزا سنويا آخر لاقتصادها.
 
وأقام صندوق النقد الدولي مراجعته التصاعدية على أسس إنفاق المملكة على خطط رؤية 2030 وقرارها بخفض إنتاج النفط اليومي في محاولة لدعم الأسعار. ولم يستجب السعوديون للنصيحة غير المعلنة بإعادة الإنتاج إلى أكثر من 10 ملايين برميل يوميا. ولا يزال سعر التعادل والإنفاق لذلك مرتفعين. وأصبح صندوق الاستثمارات العامة في المملكة خلال 2023 أكبر منفق في العالم بين صناديق الثروة السيادية بفاتورة إجمالية قدرها 124 مليار دولار.
 
وكانت هذه الاستثمارات في الداخل، كمشروع مدينة نيوم الذكية الضخم وشركة طيران الرياض الجديدة، وفي الخارج، مع تواصل إنفاق الأموال السعودية على مجموعة متنوعة من الاستثمارات، بما في ذلك السيارات الكهربائية، ومشاريع كفاءة الطاقة وغيرها. وتقلّصت أصول صندوق الاستثمارات العامة بشكل كبير بسبب فورة الإنفاق. وتراجعت من أكثر من 105 مليارات دولار سنة 2022 إلى 37 مليار دولار اعتبارا من سبتمبر 2023.
 
وانتعشت هذه الأصول منذ ذلك الحين، حيث أكدت وكالة بلومبيرغ ارتفاع احتياطاته النقدية من 15 مليار دولار في سبتمبر 2023 إلى 65 مليار دولار في يوليو. وسجّل صندوق الاستثمارات العامة ربحا في 2023، بعد خسائر 2022.
 
لكن بعض المراقبين أكّدوا أن سعر النفط المطلوب لتحقيق التعادل في الموازنة لا يزال مرتفعا. وقالت الباحثة في معهد الشرق الأوسط لي تشن سيم لشبكة سي إن بي سي "ستكون احتياجات السعودية في الموازنة ضخمة حتى 2030 على الأقل لضرورة إظهار بعض النتائج المهمة في مشاريع رؤية 2030 الرئيسية والتحضير لاستضافة الأحداث الرياضية والثقافية الكبيرة".
 
وأضافت “يجتمع كل هذا مع النمو المتوقع في إمدادات النفط من الولايات المتحدة وغيانا والبرازيل وكندا والإمارات العربية المتحدة، والنمو الهزيل المحتمل لاستهلاك النفط في الصين (أكبر عميل للنفط بالنسبة إلى السعودية) ليعني أن سعر التعادل المالي قد يرتفع حتى إلى حوالي 100 دولار”. وأصبح النمو في إنتاج النفط من خارج أوبك من النقاط الشائعة بين المتنبئين بأسعار النفط المنخفضة الذين يرغبون أيضا في الإشارة إلى ضعف نمو الطلب من الصين التي تشكّل أكبر مستورد للنفط الخام في العالم.
 
وتقول الحجة إن أسعار النفط ستكون أضعف لفترة أطول بسبب تراجع نمو الطلب على النفط في الصين والعرض المتزايد من غير الأعضاء في أوبك. لكن ضعف الطلب على النفط في الصين وحجم نمو الإنتاج ليسا مضمونين. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تباطؤا في نمو الإنتاج هذا العام بعد زيادة مفاجئة قدرها مليون برميل في اليوم سنة 2023.
 
ومن المحتمل جدا أن تكون هذه الوكالة الفيدرالية، التي كانت مخطئة من قبل، على حق هذه المرة. ودخلت الصناعة طور التوحيد، مع تركيز عملية صنع القرار في الإنتاج في أيدي أطراف أقل. ومن المرجح أن يستمر الإنتاج في الارتفاع في غيانا، مع تشغيل إكسون المزيد من الآبار ومع تطلع البرازيل إلى تحقيق نمو كبير في الإنتاج. ولكن من المرجح جدا أن يعتمد ذلك على الأسعار الدولية. ومن المؤكد أن هذه النقاط الثلاث ستعقّد مسار السعودية، لكنها قد لا تكون دراماتيكية كما تبدو لأن انخفاض أسعار النفط يبقى أمرا سيئا للجميع.
 
وهذا ما يعني أن للحجة حول ارتفاع الإنتاج من خارج أوبك عيبا نادرا ما يذكره المحللون. فرغم كل مشاكل التعادل، لا تزال السعودية المنتج الأقل تكلفة للنفط الخام في العالم. ويمكن أن تؤخر بعض خطط الإنفاق التي وضعتها إذا تطلب الأمر منها ذلك. كما تستطيع نظريا أن تصمد أمام انخفاض مستمر في أسعار النفط أكثر من حفارات الصخر الزيتي الأميركية ومشغلي الحقول البرازيلية.
 
وقد لا يوفر سعر التعادل النفطي نظرة واقعية على صحة الاقتصاد. وهذا ما تطرق إليه مقال كتبه تيم كالين، وهو زميل زائر في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، وقال “غالبا ما يتغير إنتاج النفط وإنفاقه بشكل كبير وسريع بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية. ويكون إنتاج النفط أكثر تقلبا بالنسبة إلى بلد ينتج دائما بكامل طاقته مع وجود طاقة إنتاج فائضة كبيرة للنفط وسياسة واضحة لتعديل الإنتاج اعتمادا على ظروف الطلب والعرض في السوق العالمية. وكان الإنفاق الحكومي تاريخيا يميل أيضا إلى الزيادة مع ارتفاع أسعار النفط، ممّا يعني أن السوق وسعر التعادل النفطي غالبا ما يتحركان معا".
 
وبعبارات أخرى، ليس الإيحاء بأن السعودية في ورطة لأنها لا تستطيع الوفاء بغايات موازنتها المخطط لها أمرا دقيقا جدا. ويمكن تأخير المشاريع العملاقة، كما حدث من قبل حين كانت بيئة الأسعار دون المستوى الأمثل. كما يمكن سحب الأموال من أسواق الدين الدولية حيث يبدو أن السندات السعودية تتمتع بشعبية كبيرة، على عكس أسهم أرامكو. ويبدو أن الاقتصادات المعتمدة على النفط لا تزال تجتذب المستثمرين، على الرغم من التحول ونمو الإنتاج من خارج منظمة أوبك.