فن

مهرجان فينيسيا الثمانون يحتشد بأفلام أميركية وأوروبية


       
يتوسط مهرجان فينيسيا المسافة بين «كان» و«برلين»، الثلاثة هي أكثر مهرجانات السينما في أوروبا وأهم المهرجانات العالمية، إلى حد معيّن يمكن إضافة ثلاثة أخرى: تورنتو وكارلوفي فاري ولوكارنو
 
ما يمنح هذه الصفة اليوم هو ما منح الصفات ذاتها في السابق: قرار المنتج العالمي (أو الشركة التي تولّت التمويل) تخصيص هذا المهرجان أو ذاك بفيلمه الجديد الذي لم يعرض سابقاً في أي مناسبة أخرى، أو على الأقل ذلك المنتج أو المخرج الذي تتسابق المهرجانات الأولى لضمّ أفلامه، يفكر ويقارن ويختار ويقرر إلى أي مهرجان سيلبّي الدعوة لافتتاح الفيلم عالمياً؟
 
  • عبر التاريخ
 
ما بين الثلاثين من الشهر المقبل والعاشر من سبتمبر (أيلول)، سينطلق المهرجان الإيطالي في دورة تاريخية تحمل الرقم 80. لم يسبقه بين المهرجانات الكبيرة من وصل إلى هذا الرقم. لوكارنو وكان وسان سباستيان مناسبات قريبة في عدد دوراتها، لكن فينيسيا في المقدّمة ما يفرض على الناقد والمتابع التفكير في كيف يمكن لمهرجان سينمائي مرّ بعقود وحروب ومشاكل اقتصادية وسياسية وإدارية الصمود أمام كل مأزق وأزمة والبقاء قوياً عوض أن يجتر صيته على الماضي، وحده فينيسيا هو المهرجان المثالي في هذا الشأن.
 
عبر التاريخ، الذي لا مجال لسرد تفاصيله، إذ تحدّثنا في ذلك بضع مرّات، كابد المهرجان قضايا عديدة. النقلة من مهرجان تحت سيطرة الفاشية الإيطالية إلى حدث مستقل عنها والخروج من الحرب العالمية الأولى بأقل ضرر ممكن، ثم ذلك التجاذب للسيطرة عليه واحتوائه ما بين الإدارات اليسارية واليمينية في الحكومات الإيطالية المتوالية كان يمكن لها أن تطيح به، لكنها لم تفعل.
 
وبما أن لكل زمن مشاكله ومتاعبه فإن «فينيسيا» الحالي يعايش عدداً من تلك المصاعب. على صعيد عام، ها هو مهرجان «كان» وقد وثب، في دورته الأخيرة، لاستعادة مركزه الذي تأرجح في الدورات القليلة الماضية. هذا يخلق تحديات أمام المهرجان الإيطالي ثم تحديات أمام برلين وتستمر هذه التحديات للعام المقبل مع عودة مهرجان كان. كل واحد من الثلاثة لا بد له أن يفوز على المهرجان الآخر. هذا سهل على «فينيسيا» و«كان»، لكنه صعب على مهرجان برلين الذي يحتاج لنفضة إدارية تعيّن من لديه تلك الاتصالات الجوهرية مع شركات الإنتاج والتوزيع ومع المنتجين والمخرجين حول العالم. الإدارة الحالية لمهرجان برلين لا تملك ما كان لدى الإدارات السابقة في الستينات والسبعينات وحتى نهاية القرن الماضي من اتصالات وأساليب تواصل وإقناع.
 
  • تحديات
 
ما يعتمر الدورة الجديدة لمهرجان فينيسيا ما اعتراه من مسائل أثيرت في وجهه خلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة: نسبة حضور المرأة في شتّى أركان وأقسام المهرجان والإقدام على اختيار أفلام لمخرجين يرى إعلام «النوبات التصحيحية» ضرورة مقاطعتهم.
 
في المنطقة الأولى، يتحرّك المهرجان ضمن ما هو متوفّر.
 
هذا العام تسلمت إدارة المهرجان (وحسب مصدر موثوق) أكثر من 4 آلاف فيلم لم يكن بينها أكثر من 32 في المائة من إخراج نساء. كأي مهرجان ناضج ويتبع إدارة صائبة، على فينيسيا اختيار الأفضل وإذا كان نسبة الأفضل بين الأفلام النسائية لا تتجاوز الخمسة أفلام (من بين 23 فيلماً في المسابقة) فالذنب ليس ذنب المهرجان، بل ذنب المتوفر ونسبة الذكور من المخرجين الأعلى من نسبة الإناث.
 
لكن الإعلام يريد استثمار هذا الوضع لإدانة المهرجان لأن الوضع يخلق عناوين إعلامية برّاقة ويجعل الكاتب، ناقداً كان أم صحافياً، يبدو أمام قرائه كما لو كان مدافعاً صنديداً عن حقوق المرأة.
 
بالنسبة لبولانسكي وألن يتصرّف المهرجان الإيطالي بصواب عندما يعدُّ أنه لا بد من الفصل بين حياة السينمائي الخاصّة وبين أفلامه. في مثال بولانسكي سبق لمدير المهرجان ألبرتو باربيرا أن قرر ذلك قبل ثلاث سنوات عندما استقبل فيلم بولانسكي السابق «ضابط وجاسوس» ولم يحدث أي تعديل على هذا الوضع.
 
فيلم بولانسكي الجديد «القصر» سيكون إضافة مهمّة على ما اختير من أفلام الدورة، كذلك حال فيلم وودي ألن الجديد (الذي قد يكون الأخير قبل اعتزاله) «انقلاب حظ». بالنسبة لباربيرا هناك تحامل على ألن منح السينما في السنوات الخمسين الماضية أفلاماً شهدت جوائز واحتفاءات عديدة.
 
بالإضافة إلى ما سبق، جاء إضراب الممثلين على نحو تسبب في إلغاء فيلم الافتتاح الذي كان مقرراً وهو «متحدّيون» (Challengers) وهو فيلم أميركي للمخرج الإيطالي لوكا غوادانينو. تبعاً لذلك لن يتمكن فريقه من الممثلين (بينهم زندايا وجوش أو كونول) الحضور كون إضراب نقابة الممثلين الأميركية (SAG) يشمل الامتناع عن ترويج الأفلام أيضاً.
 
  • حضور وغياب
 
لكن في الواقع الخسارة ليست جسيمة. استبدل باربيرا تغييب «متحدّيون» بفيلم آخر هو «قائد» للمخرج الإيطالي (أيضاً) إدواردو د أنغليز. وهو فيلم مأخوذ عن أحداث حقيقية وقعت خلال الحرب العالمية الثانية بطلها القائد البحري الإيطالي سلفاتوري تودارو، الذي أنقذ حياة غرقى من العدو. خطوة لا بأس بها كون المخرج غوادانينو ليس من النوع الذي لا يمكن الاستغناء عنه. فيلمه السابق «سوسبيريا» كان سيئاً واللاحق، «عظام وكل شيء» أسوأ منه.
 
من حسن الحظ أن «فينيسيا» لم يضطر إلى حذف المزيد من الأفلام الأميركية، إذ ما زال لديه «مايسترو» لبرادلي كوبر و«بريسيليا» لصوفيا كوبولا و«أصل» لآفا دوفرناي و«القاتل» لديفيد فينشر والفيلم الجديد لمايكل مان «فيراري» من بين أخرى.
 
اختيارات المهرجان من أفلام المسابقة مبهرة على الورق ومنها «دوغمان» للفرنسي لوك بيسون وخارج الموسم للفرنسية ستيفان بريز و«القبطان» للإيطالي ماتيو غاروني و«الشر ليس موجوداً» للياباني ريوسوزكي هاماغوتشي و«الحدود الخضراء» لأكبر المشتركين سناً التشيكية أنييشكا هولان.
 
أصحاب الأسماء الكبيرة متوفرون في القسم الرسمي خارج المسابقة أيضاً: وودي ألن («انقلاب حظ»، وهو إنتاج فرنسي/ بريطاني) وس أندرسن («القصة الرائعة لهنري شوغار») ليليانا كافاني («نظام الزمن»، إيطاليا) وويليام فرايدكن («المحاكمة العسكرية لتمرد كاين» الولايات المتحدة) ورومان بولانسكي («القصر»، وهو إنتاج إيطالي، سويسري، بولندي، فرنسي مشترك).
 
الحضور العربي في هذه الدورة ليس لافتاً عددياً. الإعلان الذي صدر حاوياً قوائم الأفلام في أقسام المهرجان كافة احتوى على فيلم عربي واحد سيعرض في قسم «آفاق» هو «خلف الجبال» للتونسي محمد بن عطية، الذي سبق له وأن اختطف جائزة مهمّة قبل عدة سنوات من مهرجان برلين عن فيلمه الأول «هادي».
 
  • ما الذي حدث للأفلام التي فازت في العام الماضي؟
 
 الفيلم التسجيلي النرويجي All the Beauty and the Bloodshed الذي أخرجته لورا بويتراس وفاز بالجائزة الأولى (الأسد الذهبي) نافس في مناسبتي بافتا والأوسكار من دون نجاح.
 
 المخرج لوكا غوادنينو كان فاز بجائزة أفضل مخرج عن فيلمه Bone and All لم ينجز نجاحاً آخر ولا شهد الفيلم إقبالاً تجارياً ما.
 
 الفيلم الفرنسي Saint Omer لأليس ديوب، جال مهرجانات ومناسبات وحظي بإعجاب رهط كبير من النقاد.
 
 فيلم المخرج الإيراني جعفر بناهي «لا دبب»، الذي نال جائزة لجنة التحكيم الخاصّة نال جوائز من مهرجانات أوسلو وترييست وشيكاغو لكنه حظي بعروض تجارية عديدة حول العالم.