أخبار وتقارير

لولا طوفان الأقصى لأكلهم الشعب.. "التظاهرات القبلية" تضع مستقبل الحوثي على المحك (تقرير)


       

تقرير عين عدن – خاص

 

أصبحت القبائل في مناطق سيطرة جماعة الحوثي الانقلابية، تهديد لاستمرار الميليشيا في حُكمها لصنعاء وغيرها بقوة الحديد والنار، فهذه القبائل التي طالما اعتمدت عليها ميليشيا الحوثي في تزويد قواتها بالمُقاتلين، لم تعد تتحمل سياسات الميليشيا وتوجهاتها، مع زيادة القمع والجبايات الغير قانونية وعدم اكتراث الميليشيا بقوة وقُدرات القبائل دون أي رادع، وهو ما ظهر جلياً في قيام عناصر تنتمي للميليشيا بتفجير منازل على رؤوس ساكنيها في رداع.

 

احتشاد قبائلي ضد الميليشيا

في مطلع فبراير 2024 احتشد الآلاف من قبائل حراز والحيمة الداخلية والحيمة الخارجية وصعفان، المواليةِ للحوثيين في ميدان السبعين بصنعاء، مُتظاهرين للمُطالبة بالقبض على عناصر من سلطة الأمر الواقع الحوثية المتهَمين بقتل أحد أبناء قبيلة حراز على مرأى ومسمع عائلته منتصف يناير الماضي، إثر خلافٍ شخصي في محل ألعاب إلكترونية قِتلةً بَشعةً مزّقوا فيها جسده بأكثر من خمسٍ وستّين رصاصةً أُطلقَت من مسافةٍ قريبةٍ على  وجهه والأجزاء العليا من جسده، فعند ارتكاب جريمة ضد قبيلةٍ ما، فإن القبائل تَتخِذّ موقفاً موحّداً كما لو أن كلّ قبيلةٍ عُرضةٌ لتلك الجريمة ما لَم تُبْدِ موقفاً قوياً.

 

تعهد بالثأر

في التظاهرة قال الشيخ أحمد شاجع، من شيوخ قبيلة حراز، بأن الجريمة بحق الشاب حاشد النقيب ابن القبيلة “ليس لها مثيلٌ إلا ما يحدُث في غزّة، مبرِّراً هذا التشبيه بأن الجريمة وقعت عَمداً في صنعاء على يد مسلحين يستقلّون آلياتٍ تتْبَع الداخلية والدفاع في حكومة الحوثي غير المعترَف بها دولياً، حيث يعمل والد المتهَمين مسؤولاً أمنياً كبيراً في محافظة الجوف، وتعهّدَ الشيخُ أحمد بأنه والقبائل التي احتشدت معه لن يتركوا دم ابنهم يذهب هدراً، وسيتبعون كل الوسائل لتحقيق العدالة بما فيها الاعتصام، مذكِّرين قادةَ الحوثيين بأن جماعتهم "لم تكن دولةً إلا بأبناء القبائل".

 

تزايد التظاهرات القبلية

قال مُحللون سياسيون، إن هذه المظاهراتُ للقبلية تجعل مستقبلَ الحوثيين في اليمن على المحَكِّ؛ لأنه لا مفرَّ من التعامل مع المتظاهرين ومطالبِهم وخَطْب ودِّهم، من غير اللجوء إلى العنف الذي يستثير حفيظة القبائل، حيث تتزايد المظاهرات في مناطق سيطرة الحوثيين، فقد سَبَق تظاهرةَ قبائل حراز ستُّ تظاهرات منذ بداية سنة 2024، وقرابةُ عشرين تظاهرة قَبَلية ما بين أبريل 2022 وديسمبر 2023، وتشير هذه الزيادةُ إلى تهديدٍ واضحٍ لسلطة الحوثيين، وإلى الضغوطات التي تواجِه القبائلَ المواليةَ لها والتي قد تتحول تدريجياً إلى مطالب بإصلاحاتٍ سياسية.

 

تكفير الحوثيين لمعارضيهم

وأشار خُبراء، إلى أن الحوثيين يرون أن التظاهرات غير مُبرَّرة، مرتكِزين في ذلك على مبدأ الطاعة المطلَقة لأولي الأمر كما تنصّ قواعدُ الإمامة لدى الزيدية الجارودية، وهو المذهب الذي يتبعه الحوثيون، فالجماعة لا تستمد شرعيتها من الرضى الشعبيّ بل من الإمام المنحدر ضرورةً من نسل الحسن أو الحسين ابنَيْ عليّ، وبيعة الإمام هي بيعة انقياد لا انعقاد بالرضى؛ أي أنّ طاعة الإمام واجبةٌ بكلّ حالٍ ولا يصح الخروجُ عنها، كما أن المستنكِفون عن اتّباع الحوثي هم “كفّار بالتأويل” كما في الوثيقة الفكرية والثقافية الصادرة في صعدة 2012، وهي بمثابة دستورٍ سابقٍ على تحرُّك الحوثيين العسكريّ.

 

العلاقة بين الإمامة والقبائل

من جانبه، يوضح عبدالهادي العزعزي، رئيس وحدة الدراسات بالمجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، أن العلاقة بين الإمامة والقبائل تقوم على مبدأ يرى الإمامَ أقوى من منافسيه، قادراً على تشكيل تحالفاتٍ مع القبائل بناءً على مفهوم “التوازن الاجتماعي الهش”، هذا التوازن يقوم على فكرةِ وجودِ قوّةٍ فائقةٍ تُهيمن وتُدير الهياكلَ الاجتماعية الأخرى لصالحها، مستخدِمةً سلطتَها لفرض نفوذها وتعزيز قوّتها، مما يسمح بالسيطرة العسكرية والاجتماعية ثم توسيع الهيمنة والتغلّب على أي تحدياتٍ منافِسةٍ محتمَلة.

 

جماعة القداسة الإلهية

الحوثي ما أن وطدت أركانَها في صنعاء حتى سارعت إلى تأسيس "مجلس التلاحم القبلي"، وذلك لتعيين شيوخٍ جددٍ عِوضَ الزعامات القبلية المعارضة أو العصيّة على الاندماج في بِنية سلطتهم أو التبعية لهم، لم تفشل هذه العملية ولم تنجح (حسب خبراء)، فقد تعثّرت مثلاً محاولةُ الشيخِ أمين عاطف من قبائل حاشد، المعروف بولائه للحوثيين، تنصيبَ نفسه شيخاً لمشايخ حاشد بالرغم من الدعم الذي أجزلته له القبيلة في اجتماع كبير في يناير 2023، بينما نجحت جهودهم في مناطق كالحديدة بمساندة الضغط الحوثي، حيث تمكنَت سلطة الانقلاب من تعزيز مواقع أتباعها من السلالة الهاشمية المنتمين إلى ما يُسمى “جماعة القداسة الإلهية” في مراكز القيادة المحلية، مما أثار تنافساً وتوتراً ملحوظاً بين الشيوخ القَبَليين والمشرفين الحوثيين.

 

احتجاج قبيلة بني مطر

أكد مُراقبون، أن حدة التظاهرات القبلية تصاعدت في مناطق الحوثي بعدما لاحظ أبناء القبائل ترف وثراء مُشرفي الحوثي وقيادات الميليشيا وفي المُقابل لم يحصل المقاتلون سوى على بعض الأسلحة مقابل خسارة كثير من أفرادهم، فمثلاً أعرب الشيخ عبدالكريم القرعي، وهو مِن أبرز شيوخ قبيلة بني مطر، في احتجاجٍ قَبَلي في يوليو 2023، عن استيائه من إقالة أحد أبناء قبيلته قائلاً: “مَن الذي قاتَل ضد التحالف؟ نحن في بني مطر قدّمنا أربعة آلاف قتيل وعشرة آلاف جريح وهناك كثير من المفقودين والأسرى. ضحّينا برجالنا ودمائنا في كل مكان باليمن. وعلى الدولة أن تختار إمّا إقالة يحيى المؤيدي (مدير أمن محافظة صنعاء) وإما أن تخسر قبائلَ بني مطر”.

 

استغلال الميليشيا لأحداث غزة

كان ظاهرُ احتجاجِ المطري ومن معه (حسب مُحللين سياسيين) حميّةً لابن القبيلة المقتول في الجوف، لكن الهدف الأساس كان استعراضَ قوّته أمام خصومه من قادة الحوثي، فقد عزلت سلطة الجماعة المطري من منصبه لكنها لم تعيّن بديلاً عنه حتى الآن، ولذلك تواجه جماعة الحوثي ضغوطاً داخلية متزايدة، وفي هذا السياق شنّ الحوثيون هجْماتهم البحرية، فهي عمليةٌ ظاهرُها التضامنُ مع غزة وباطنُها منعُ الانفجار الداخلي، فقد شكّلت هذه الهجْماتُ مخرَجاً مهمّاً مؤقتاً للجماعة من ثورة شعبية ضدهم وفق اعتراف سلطان السامعي عضو مجلس الحكم الحوثي أواخر فبراير 2024، قائلاً إنه “لولا أحداث طوفان الأقصى وقرارات عبد الملك الحوثي بالتدخل فيها لكان الشعب قد أكلَنا” حسبما نَقلت مصادر مقرَّبةٌ منه.

 

دعوات قد تتعدى المطالب الفئوية

ويرى عبدالكريم غانم، أستاذ علم الاجتماع السياسي في تصريحات صحفية، أن معظم القضايا التي تدافع عنها القبيلة لا تتركز على المطالب العامة أو السياسية، بل تقتصر على تلك الفئوية، مثل استرداد الأراضي والعقارات التي استولى عليها الحوثيون المتنفذون في صنعاء، أو الاعتراض على الجبايات الظالمة، لكن شيخاً قبَلياً تحدّث إليه ألمحَ إلى أنَّ المطالبَ التي يتبنّاها مع قبيلته، وإن كانت ما تزال ذات سمةٍ حقوقيةٍ خاصةٍ بالقبيلة واحتياجات أهلها، إلا أنها قد تتعدى القبيلة لتدعو إلى إصلاحات سياسية عامة.

 

إذكاء التظاهرات

وعلى جانب آخر، أشار مُحللون سياسيون، إلى أن الهدنة الهشة بين الحكومة وميليشيا الانقلاب ساهمت في إذكاء التظاهرات، فقد بدّدَت الأملَ بخلاصٍ قريب، لا سيما أن جلّ المجتمع اليمني يعتمد على الزراعة المطرية، مما يجعله في حالةٍ دائمةٍ من عدم الاستقرار الاقتصادي، فقد التقطت السلطات الحوثية إشاراتِ مستوى الغضب في الشارع والنقمةِ ضدَّها، المدعومةِ غالباً من قوىً قَبَلية في صنعاء، حتى أن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الحوثي في أواخر أغسطس 2023، وصف احتجاجات سلمية محدودة قادها الشيخُ أبو زيد الكميم، وأيَّدها صراحةً رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، الشريك في حكومة الحوثي، الشيخ صادق أبو راس، وصفها بأنها “تنفيذٌ لخطّةٍ وَضَعَتها السفارةُ الأمريكية مدّة خمس سنوات”.

 

دلائل فتور العلاقة بين القبائل والميليشيا

وفي صورة تُظهر مدى توتر العلاقات بين الحوثي والقبائل، كتب أحد شيوخ قبائل دهم البارزين الذي يستخدم صفحته على فيس بوك لانتقاد الجماعة: "حتى العبيد لا يعاملهم أسيادهم كما تعامِل سلطةُ صنعاء (الحوثيُّ) الشعبَ اليمنيَّ"، ويربط الشيخ هذه المعاملة بالحرب، قائلاً: “كلما توقفَت حربٌ أدخَلونا في حربٍ أخرى، وهكذا منذ سنة 2004″، بينما قال الشيخ القرعي من بني مطر إن قيادياً حوثياً واجَهه في أحد المواقف بالقول "لا تهددونا يا قبائل بني مطر، نحن لم نخْشَ تحالفاً عربياً من سبع عشرة دولة".

 

تحديات خطيرة تواجه الميليشيا

وأشار خُبراء، إلى أن الحوثي تتعامل مع التظاهرات القبَلية حتى الآن على أنها خطرٌ يمكن احتواؤه، بشرط ألّا تشكّل القبائلُ تحالفاً موسعاً قد يهدِّد سلطةَ الحوثيين، مشدداً على أن هُناك معلومات تُشير إلى أن ميليشيا الحوثي حددت ثلاثة تحدّياتٍ خطيرةٍ تواجه الجماعةَ منذ الهدنة، متمثلةً في احتجاجات الموظفين المطالبين بالمرتّبات، واعتراضات القطاع الخاص والغرف التجارية، إضافةً إلى التظاهرات القَبَلية.