اليمن في الصحافة

هل تقرع طبول الحرب لعمل عسكري غربي ضد اليمن؟


       

يبدو أنه حان الوقت لجولة أخرى من التوتر الشديد، بشان سفن البحرية الإيرانية التي ابحرت الى البحر الأحمر؛ حيث نشرت مؤسسة بلومبرج الامريكية في تقريرها اليوم: ان إرسال إيران لسفينة حربية إلى البحر الأحمر هو أجرأ تحرك لها حتى الآن لتحدي قوات الولايات المتحدة في الطريق التجاري الرئيسي ؛ مما شجع المسلحين الحوثيين الذين عطلت صواريخهم النقل البحري على مدى الشهرين الماضيين.

 

من غير المرجح أن ترغب طهران في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الامريكية ؛ ففرقاطتها القديمة لا تضاهي قوة المهام البحرية التي تقودها الولايات المتحدة والتي تقوم بدوريات في المياه قبالة اليمن ، غير انها تريد فقط استعراض القوة الإيرانية في المنطقة نحو منحى اخر .

 

عادة ما ترسل الحكومة الإيرانية بشكل دوري سفنها لرفع علمها في أماكن مختلفة، وفي كل مرة يكون هناك رد فعل مبالغ فيه مثير للسخرية في الغرب؛ في عام 2021، أرسلت اثنتين من سفنها الحربية إلى المحيط الأطلسي؛ وكان الخوف أن يكون الصقور المختلين قد توجهوا إلى فنزويلا (لتزويدهم بزوارق سريعة)، لكن تبين أنهم كانوا في طريقهم للمشاركة في حدث تذكاري في روسيا ّ! وفي العام الماضي قامت سفينتان بزيارة ميناء ريو دي جانيرو ، و شعرنا مرة أخرى بحالة من الذعر الشديد إزاء "التهديد" الرهيب الذي يزعم أن هذه السفينتين سوف تفرضه على نصف الكرة الأرضية بالكامل، وحاليا أرسلوا فرقاطة إلى البحر الأحمر ، وهو أقل روعة من إرسال السفن إلى المحيط الأطلسين ، هل حان الوقت كي نحبس انفاسنا مرة أخرى جراء هذا التحرك الإيراني !

 

كما يفهم الجميع بان فرقاطة واحدة لاتشكل أي تهديد حقيقي للعديد من السفن الأمريكية التي تم إرسالها للتدخل في حرب إسرائيل الفظيعة على غزة لحماية "حرية الملاحة"، وهذه الفرقاطة على وجه الخصوص قديمة جدا وهي من بقايا سفينة ما قبل الثورة التي يبلغ عمرها خمسين عامًا.

 

إن إرسال سفينة واحدة إلى ممر مائي دولي لا يمثل قدرًا كبيرًا من التاثير على الإطلاق؛ لذلك من الصعب أن نأخذ على محمل الجد الادعاءات القائلة بأن ذلك هو استعراض للقوة الإيرانية والسير بها نحو منحى اخر ، كما إن حقيقة قيام الحكومة الإيرانية بإرسال سفينة واحدة فقط تظهر أنها لا تنوي القيام بأي شيء في البحر الأحمر، وهي على الأكثر تشير إلى دعمها لأعمال الحوثيين كما تريد أيضا تسليط الأضواء لاظهار الخوف الشديد منها باعتبارها قوة مهيمنة إقليمية وهو أمر مثير للضحك!

 

ان الخطر الحقيقي في البحر الأحمر ليس وجود سفينة إيرانية انفرادية، بل حتى ان هجمات الحوثيين بالطائرات بدون طيار والصواريخ لاتشكل أي خطر؛ ان الخطر الحقيقي هو قرع طبول الحرب لشن عمل العسكري غربي ضد اليمن .

 

ذكرت صحيفة صنداي تايمز أن المملكة المتحدة تستعد لشن ضربات بالتنسيق مع الولايات المتحدة وربما حكومة أوروبية أخرى وبموجب الخطط، ستنضم المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة ربما دولة أوروبية أخرى لإطلاق وابل من الصواريخ ضد أهداف مخطط لها مسبقًا، سواء في البحر أو في اليمن، حيث يتمركز المسلحون الحوثيون ، ومن المعلوم أن الضربات المنسقة يمكن أن تشنها طائرات حربية تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني أو المدمرة ايتش ام اس دايموند ، وهي مدمرة من النوع 45 دمرت بنجاح طائرة بدون طيار هجومية بصاروخ سي فايبر في البحر الأحمر هذا الشهر، ومن المتوقع أن تصدر بريطانيا والولايات المتحدة بيانا خلال الأيام المقبلة يحذر الحوثيين من التوقف عن مهاجمة السفن التجارية أو مواجهة القوة العسكرية الغربية.

 

وكما ذكرت في الأسبوع الماضي ، من المؤكد أن الحوثيين سيتجاهلون هذه الأمور وهذه التحذيرات، وهذا يشكل قمة الغباء؛ بعد ذلك ستشعر الولايات المتحدة وشركاؤها بأنهم مضطرون إلى دعم تهديداتهم غير الحكيمة من خلال التصعيد، وعندما تحقق الضربات الأولى من الضربات القليل أو لا شيء من أهدافها ، ستكون هناك مطالب متوقعة بالمزيد؛ وبدلاً من الاعتراف بالفشل، فان إدارة بايدن والحكومات الأخرى ستواصل بعد ذلك حملة قصف حيث ستقتل العديد من اليمنيين دون وقف هجمات الحوثيين؛ وهذا بدوره من المرجح أن يؤدي إلى مزيد من هجمات الحوثيين على مجموعة واسعة من الأهداف ، اذ انه بدلا من استقرار المنطقة وضمان المرور الآمن للسفن التجارية، سيكون لهذا تأثير عكسي في كلا الأمرين.

 

ان الشيء الوحيد الذي قد يوقف الهجمات فعليًا في المستقبل المنظور هو الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف حملتها التدميرية، بالطبع هذا هو الشيء الوحيد، بيد ان هذا الخيار لا تفكر فيه أي حكومة غربية بجدية.

 

وقد علق مات دوس على هذا في وقت سابق اليوم قائلاً:"إن فكرة الولايات المتحدة فتح جبهة جديدة ضد الحوثيين ردًا على مهاجمتهم لسفنهم احتجاجًا على مذبحة غزة بدلاً من إنهاء الدعم لمذبحة غزة ، التي هي كما تعلمون، واحدة من أكثر الأشياء التي تشغل بال واشنطن على الإطلاق".

 

فيما لو نجحت الولايات المتحدة في الضغط في وقف إطلاق النار وإنهاء الحصارعلى قطاع غزة ، فمن المرجح أن تتوقف هجمات الحوثيين للشحن التجاري، كما يجب على الولايات المتحدة أن تضغط من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء الحصار على أي حال، و سيكون لها فائدة إضافية تتمثل في الحد من التوترات في أماكن أخرى في المنطقة؛ اذ ان دعمها للعقاب الجماعي لشعب غزة يعتبر بحد ذاته جريمة فظيعة.

 

كما إن المزيد من التصعيد هو الشيء الخطأ الذي يجب فعله إذا كانت الولايات المتحدة لا تريد أن تتوسع الحرب ، يجب عليها أن تضغط بشدة على الحكومة الإسرائيلية لإلغاء أي خطط مستقبلية حيث قد تكون لديها حملة جديدة في لبنان، ويعني ذلك أيضًا إيقاف جميع الحملات.

 

الجدير بالذكر ان الولايات المتحدة لاتستطيع تحمل تكاليف حروب جديدة في أي مكان ؛ لذا فان الحديث عن ضرب أهداف في اليمن، لا ينبغي لها أن تسعى إليها، وخاصة في الشرق الأوسط.

 

وإذا اختارت إدارة بايدن التصعيد على جبهة أو أكثر، فستكون مسؤولة عن الكارثة الاقليمية التي ستترتب على ذلك.