لماذا حضرموت؟



في قلب الجزيرة العربية، تنبض حضرموت كثقافة متجذرة، وحضارة تُنحت في الزمن، عبر تاريخها الطويل، لم تكن حضرموت مجرد إقليم، بل جوهرة ترصع تاج المنطقة؛ تثريها مواردها، ويرفع شأنها شعبها المتماسك. 

 

وها هي حضرموت اليوم تتحدث بلغة جديدة، لغة الحق في تقرير المصير، لغة السعي نحو حكم ذاتي يمثل سيادتها على مواردها ويستجيب لتطلعات أبنائها، لكنها، رغم عراقتها، ليست اليوم في موضع الصراع والانفصال؛ بل هي أمة تنادي بحلم عادل وواقعي، أمة تطمح أن تكون شريكًا كاملاً في إطار وطن اتحادي، لا تابعًا مغيبًا.

 

الحكم الذاتي ليس شعارًا، بل هو نتيجةٌ طبيعية لتاريخ طويل من التهميش، والاستنزاف، وتجاهل مطالب شعبٍ يزخر بالثروات والإمكانات.. من حق حضرموت، بثرواتها النفطية والمعدنية الهائلة، أن تبني واقعًا مستقرًا ومزدهرًا، لكنها للأسف لا تزال تتأرجح بين وعود تلو الأخرى، تُستنزف مواردها لخدمة المركز. 

 

بينما يُحرم أهلها من أبسط مقومات الحياة الكريمة، كالتعليم والصحة والبنية التحتية.. لقد بلغ حدّ التهميش مرحلة لم يعد فيها لمستقبل حضرموت خيارٌ سوى الحكم الذاتي، استعادةً للحقوق المهدرة، ورفضًا لسياسات تخنق طموحاتها الاقتصادية والسياسية.

 

ليس في الحكم الذاتي دعوةٌ إلى الانفصال، ولا إضعافٌ للدولة؛ إنه نداءٌ من حضرموت إلى شراكة عادلة، شراكة قائمة على مبدأ الندية والاحترام المتبادل.. حضرموت لا تريد أن تكون مجرد جزء يُملأ في إطار الدولة، بل تريد أن تكون طرفاً متكافئاً، ندًا قويًا قادرًا على اتخاذ قراره، وحكم موارده وفق رؤية تلبي احتياجات أهله، وتلبي طموحاتهم في المستقبل.

 

تسعى حضرموت في هذا الحكم الذاتي أن تكون لها سيادتها على مواردها، وأن تضع دستورًا يُمثل ثقافتها وتطلعاتها.. من حق حضرموت أن تُنشئ مؤسساتها التشريعية والقضائية والتنفيذية، وتبني أجهزة أمنية تضمن استقرارها وتحمي مصالحها. 

 

وفي ذات الوقت، فهي ترى نفسها ضمن منظومة الدولة الاتحادية، شريطة أن تكون العلاقة قائمة على التوازن والاحترام، وأن تحترم الدولة الاتحادية خصوصية حضرموت، وتتيح لها المساحة الكاملة للمشاركة العادلة في القرار المركزي.

 

الحكم الذاتي ليس تهديداً للدولة المركزية، بل هو تقويةٌ لها، ففي نموذج اتحادي قوي، تتقاسم الأقاليم والدولة المركزية الأعباء، وتعيد توزيع الثروات بإنصاف. وهكذا يتحقق استقرار دائم للدولة بأكملها.. حضرموت تؤمن أن نموذج الحكم الذاتي هو الأكثر عقلانية وواقعية لتحقيق التوازن الداخلي، بحيث لا يبقى إقليم مستنزفاً وآخر مكتنزاً.

 

إن رؤية حضرموت للحكم الذاتي لا تنبع فقط من ضرورة واقعية، بل من مسوغات قانونية تمليها مخرجات الحوار الوطني، وتؤكدها قرارات مجلس التعاون الخليجي، وتدعمها المعاهدات الدولية التي تحمي حق الشعوب في تقرير مصيرها ضمن إطار الدولة.. حضرموت اليوم لا تطالب إلا بما تم الاتفاق عليه، لتكون جزءاً فاعلاً ومثمراً من الدولة، تنعكس مصالحها بوضوح ضمن المشهد الوطني

 

لا تتوجه حضرموت نحو الحكم الذاتي بفراغ، بل تُبنى هذه الرؤية على أرضية صلبة، تتألف من مجتمع متماسك يعزز من استقرارها.. يرتكز الحضارم إلى قيم عريقة، ويملكون ثقافة إدارية تجسدت في نجاحات تجارية وصناعية عالمية.. حضرموت لديها موارد بشرية وكفاءات مؤهلة تستطيع إدارة مؤسساتها بإبداع وكفاءة، بما يُمهد لتحقيق حكم ذاتي قوي.

 

إلى جانب البنية المجتمعية الصلبة، تتمتع حضرموت بدعم شعبي واسع لفكرة الحكم الذاتي، حيث تتصاعد هذه الرغبة كحلم جماعي لكل الحضارم، بمختلف أطيافهم. وهذا التوافق الشعبي يوفر أساسًا متينًا للاستدامة والنجاح في تطبيق الحكم الذاتي.

 

حضرموت اليوم في حاجة إلى أبنائها، في حاجة إلى توحيد الكلمة، إلى دمج الجهود، والسير بهذا المشروع الوطني إلى حيز التنفيذ. الحكم الذاتي ليس قرارًا عابراً، بل هو خطوة تاريخية جاءت من حاجة مُلِحَّة ومشروعة. 

 

إذا كنا نطمح إلى حضرموت قوية، حرة، مستقلة القرار، فلا بد أن يلتزم الجميع بهذا المشروع، وأن يعملوا بجد على تحقيقه، فمستقبل حضرموت بحاجة إلى عزيمة وتضافر الجهود،

 

حضرموت لم تطمح يوماً للانفصال عن الجنوب أو عن جغرافيتها، بل كانت وستظل شريكاً وداعماً للقضية الجنوبية، لقد قدم الحضارم الكثير في مسيرة نضال الجنوب، وكانوا دائماً سنداً قوياً في مسار استعادة الدولة الجنوبية. 

 

حان الوقت اليوم لردّ الجميل، ودعم حضرموت في مسيرتها نحو الحكم الذاتي، الذي سيجعلها شريكًا قويًا لا تابعاً.. حضرموت القوية ليست عبئاً، بل هي قاعدة استقرار للجنوب، وتعزز من تماسكه في مواجهة التحديات.

 

المجتمع الدولي اليوم أمام فرصة لدعم نموذج فريد في الحكم الذاتي، نموذجٌ يرتكز على العدالة، الكرامة، والاستقرار في منطقة مضطربة.. إن حضرموت لا تطالب إلا بحقوقها ضمن إطار الدولة الاتحادية، مع الاحتفاظ بحريتها في تنمية مواردها وتحقيق ازدهارها.. دعمكم لحضرموت هو دعم للسلام والاستقرار، ليس فقط في حضرموت بل في المنطقة كلها.

 

الحكم الذاتي لحضرموت لا يمثل تهديداً للدولة، بل يعزز من تماسكها، ويحقق توازناً داخلياً يقلل من احتمالات التوتر.. حضرموت، بثرواتها وإمكاناتها، يمكن أن تكون نموذجاً في الحكم الرشيد، وشريكًا حقيقيًا للدولة الاتحادية وللمجتمع الدولي.

 

الحكم الذاتي لحضرموت ليس مطلباً مؤقتاً، بل هو حق مشروع وأصيل، ينبع من حاجة عميقة للكرامة، وللحرية، وللعدالة.. حضرموت لا تتحدث اليوم كخصم للدولة، بل كجزءٍ من الوطن، تطمح لمكانتها التي تستحقها، ولشراكة تحترم قدراتها وحقوقها.

 

إن حضرموت، من خلال الحكم الذاتي، تخطو نحو مستقبل تُكتب فيه فصول جديدة من العزة، والازدهار، حيث يُصاغ مصيرها بأيدي أبنائها، وحيث تنطلق نحو مستقبل يليق بتاريخها، ويحقق تطلعات شعبها.