أدب وثقافة

الشاعر عبدالله بن منصر بامرحول يرثي صديقه على محمد ٱلأحمدى


       

رثى الشاعر عبُـدٱللَّه بن مُنَصَّـر بامرحُـول صديقه الذي وصفه بالصدوق 'على محمد ٱلأحمدى بعدد من أبيات الشعر .

 

وحملت القصيدة المؤثرة عنوان «ٱلـــوداع ٱلأخـــير» وجاءت كالتالي: 

وداعــًا أقـــولُ :

و فى ٱلنفسِ غِصَّـة ... و فى ٱلقلب جُرجٍ أبىٰٓ أن يزول ..

و داعــًا أقـــول :

و هَـٰذا ٱلخلآء يبدو لعينى كواحة حُبٍّ بها أشتفى ..

وداعــًا أقـــول :

و هَـٰذَا ٱلسـراب يبدو لعينـى كصفحةَ مآءٍ بهـا ٱرتـوى ..

و عـاود مسـيرى إلٰ غايتـى ..

وداعــًا أقـــول :

فأنـتِ ٱلنهـايـة و ٱلمُبتـدىٰ ..

و أنتِ لقلبـى كَطَـلَّ ٱلنــدىٰ ...

لـزهـرةِ نرجـس عـراهـا ٱلذُّبُــول

وداعـًا أقـــول.!

 

أخترت هَـٰذهِ ٱلأبيات لتكون مقدمةً لمرثاتى، فهى أولًا من كلمات صنوة ٱلروح و صديقى ٱلحبيب "على محمد ٱلأحمدى" رحمه ٱللَّه وأسكنه فسيح جناته، أهداها إلىَّ فى عام 1985م_مع ٱلعلم بأنى لم أستطع أن أستذكرها كاملةً، فهـٰذِه ٱلأبيات ما جادت به ذاكرتى، و ألتمس ٱلعُذر منكم، كون لهَـٰذه ٱلأبيات ذكريات عزيزة وجميلة، لأنى نشرتها فى جريدة ٱلرياض ٱليومية ٱلسعودية بعد وصولى للرياض بحوالى شهرين،  فى شهر يونيو من عام 1987م بعد أخذ ٱلإذن من أخى و صديقى وحاولت أن تكون بإسمه ولـٰكنه رفض وقال إذا تحب أن تنشرها فى أى وسيلة إعلام فٱنشرها بإسمك، فأنا قد أهتديتها لك ولك حق ٱلتصرف فيها، رحمَ ٱللَّه ٱلصديق ٱلصدوق 'على محمد ٱلأحمدى". وقمت بنشرها بإسمى فى وقتها، لذا أجد لها مكانةً خاصة فى خانة ٱلذكريات ٱلخاصة بصنوة ٱلروح رحمه ٱللَّه، و أتمنىٰ علىٰ من يعرف عن هَـٰذهِ ٱلأبيات شىء أن يُسعفنى ببقية كلماتها، مأجور و مشكور. لذا أسميتها

«ٱلـــوداع ٱلأخـــير»

 

(هَـٰذِهِ حادثة شيِّقةٍ وجميلة، تتجلَّىٰ فيها نفسية، وطيبة، ومعدن أخى وحبيبى "على" : )

كنا فى صباحِ يومٍ من صباحات "ٱلشيخ عثمان ٱلربيعية " ٱلجميلة، من أوآخر عام 1986 يومها لم نكن أولاد بازرعة مثلما يطيب له أن نُصنِّفَ أنفسنا، (طبعًا هَـٰذَا تصنيف لأحوالنا ٱلمادية دأبنا أنا وأخى رحمه ٱللَّه أن نُسَمِّى أنفسنا يومَ أن يكون معنا فلوس نسأل أنفسنا من ٱلصباح إن نحن أولاد "بازرعة" ذهبنا للمخبازة و "تقرعنا" : فطرنا ما لذ و طاب، و إن أصبحنا من أولاد "با خرعة" ذهبنا لمقهىٰ ٱلشيبانى وأخذنا لنا حليب عدنى و مقصقص [باخمرى] وٱلحمد لِلّٰه تمشى أيامنا_وذات يومٍ ونحن طالعين من مقهىٰ ٱلشيبانى ٱلتى أمام مسجد ٱلنور، فإذا بفتاة تسأل ٱلمارة "بٱستحيآءٍ" فوقفت وأخرجت ما بقى فى جيبى من نقود معدنية بعد ٱلإفطار وأعطيتها للفتاة بلُطفٍ حتىٰ لا أحد يلحظ، أنتبه لى صديقى ٱلحبيب وبدأ يعاتبنى وسَمِعَتَهُ ٱلفتاة وخجلت : نحن بأمس ٱلحاجة "للشلن" و أنت توزع ٱلفلوس!!؟؟ طبعًا أنا لاشعوريًّا طرأ علىٰ لسانى ٱلآية ٱلكريمة:

 ﷽

﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾

فجأةً توقف مكانه وقال لى أعدها أعدها لو سمحت يا عبدٱللَّه : أعدت قرآءتها على مسامعه، وذرفت عينيه بٱلدموع ورجع مسرعًا لتلك ٱلفتاة وأخرج كل ما بجيبه وهى فئة خمسة "شلن" عُملةٍ وَرَقِيَّةٍ ومد بها للفتاة و قبَّل رأسها وقال لها: سامحينى يا أختى إن كنت فضًّا بعض ٱلشىء معك، تبسمت وقالت له : (روحوا أللَّه يرزقكم ويحفظكم) أمام هَـٰذَا ٱلمشهد ٱلدرامى أنا واقف بذهول و لا أخفيكم ذرفت دموعى و كنت حريصًا أن لا ينتبه لى صديقى و حبيبى على.

هَـٰذَا موقف واحد من عشرات إن لم تكن مئآت ٱلمواقف ٱلإنسانية مع صنوة ٱلروح  ٱلراحل " على بن محمد ٱلأحمدى" رحمه ٱللَّه تعالىٰ و والديه وأسكنهم جميعًا فسيح جناته.

لا أُخفيكم فقد تعرفت من خلاله علىٰ أعلام ٱلفن و ٱلأدب و ٱلإخراج ٱلتلفزيونى، قامات وهامات كنت أسمع عنها، وعبره ٱلتقيت بهم وٱلفضل بعد ٱللَّه يعود لهَـٰذا ٱلعزيز ٱلغالى، كم من أصحاب ٱلوجوه ٱلمتألقة، و ٱلقلوب ٱلرحيمة، تعرفت عليهم فقد طاف بى فى أقسام تلفزيون جمهورية ٱليمن ٱلديمقراطية ٱلشعبية و تعرفت على مذيعين ومقدمى برامج، وفنانين ومهندسين لا أستطيع سرد أسمآئهم، ولاحظت كم من ٱلإحترام ٱلذى يحضىٰ به ٱلمهندس على بين زملآءه و أصدقآءه بٱلتلفزيون، فعلًا لقد كان محبوب، و مرغوب من ٱلجميع لدرجة أن ٱلكل يضحك معه ويدعوه لشرب ٱلشاى أو ٱلإفطار معه، كم قلوبٍ حبتك يا على قبل أن نُحبكَ!؟؟ وكم أرواح تآلفت مع روحك قبل أن تتآلف أرواحنا معك!؟ كم نفسٍ سعدت بلقآئك و كم من شفاةٍ تبسَّمت لك حين لقآئك!؟ حقيقةً فترة من ٱلشعور بٱلزهو و ٱلإرتياح، و ٱلنشوة مريت بها بصحبة هَـٰذا ٱلإنسان ٱلخلوق ٱلمتواضع ٱلمبتسم دآئِمًا عليه رحمات ٱللَّه تترا، شاركت مع بعض من ٱلفنيين بٱلتلفزيون  ٱلعيش و ٱلملح على سُفرة طعامهم فى بيوتهم ٱلجميلة ٱلمتواضعة، و تبادلت معهم أطراف ٱلحديث عن ما تمر بها ٱلبلاد بتلك ٱلفترة ٱلعصيبة، وكم تمنيت لو أن ٱللَّه جمعنى بهم فى ظروف أجمل من تلك ٱلظروف، و لـٰكنى كسبت معرفة أناسٍ من خيرة ٱلناس و أطيَبهم، و ألطفهم، و أرقاهم، رحمك ٱللَّه يا صنوة روحى و صديقى ٱلغالى رحمة واسعة،  لم يأتى من ٱلطيِّب إلَّا كل طيِّب.

رَحلْتَ عنا مبكرًا دون وداعٍ و ما أقسىٰ وداعك يا "علـى" ... وبرحيلك ٱلمفاجئ سقطت ورقة وارفة من شجرة "شبـوة" ٱلعريقة، و ٱنطفأت شمعةٍ من شموع "شبـوة" ٱلمُضيئة، و كأن ٱلرفاق قد ٱختاروا ٱلرحيل ٱلهادىء وتركوا لنا صخب ٱلحياة، و كَبَدَ ٱلعيش و مرارته.

ٱلمهندس/ على بن محمد ٱلأحمدى، يرحمه ٱللَّه ويُسكنه فسيح جناته .. أحد أبنآء محافظة "شبـوة" منطقة ميفعة "كورة أهل حمد"، و لا عجب لهَـٰذِهِ ٱلمديرية وما أسهمت به من رَفْد ٱلمحافظة، وعلى مدىٰ أعوامٍ عديدةٍ، و أزمِنَةٍ مديدةٍ، بكوادر قلَّ نظيرها، مما عكست علىٰ تلك ٱلمديرية، مسمىٰ ٱلمديرية ٱلولَّادة بألكوادر ٱلمتنوعة، و صُنِّفت بأنها أيقونة ٱلعِلم، و ٱلثقافة، و ٱلحضارة ٱلضاربة أطنابها فى جذور ٱلتأريخ، لا مجال هُنا لسردها فٱلوقت وٱلحيز لا يتسع لذلك.  أعود لصنوة ٱلروح ٱلميِّتَ ٱلحى فى قلبـى🫀 بٱلنسبة لى.

فقد جمعنى به قدر ٱللَّه فى أيام أعتبرها من أجمل أيام حياتى، وذلك فى عام 1985م، عرفت فيها ٱلأستاذ "على ٱلأحمدى"  يرحمه ٱللَّه بدماثة خُلقِه، ومساحة ثقافتهِ ٱلواسعة، و صدقه مع نفسه بعيدًا عن ٱلمجاملات، ولا تأخذه فى ٱلحق وٱلصدق لومةَ لآئِم، وهَـٰذا ما حبَّبَنى فيه "رحمهُ ٱللَّه" إلىٰ جانب ما يتصف به بنظرتهِ ٱلبعيدة للمستقبل، و تواضعهِ ٱلجمّ فى تعاملهِ مع ٱلناس،  وبساطة حياته ٱليومية، ٱلتى لا يعتريها ٱلتكلُّف فى ٱلمظهر، أو ٱلمبالغة فى ٱلمنظر، عاش متواضعًا .. بل و يحب ٱلتواضع و ٱلمتواضعون، ويكره ٱلتَّكبُّر وٱلمتزلفون ... شخصيًّا فى تلك ٱلفترة  اعتبرته سحابةً جاد ٱللَّه بها علىٰ "شبـوة" فى زمن ٱلجفاف ... فعلًا  كان كٱلسحابة ٱلمزجاة فى سمآء "شبـوة" يخرج ٱلودق من خلالها، حيث أتىٰ فى فترة زمنية من منتصف ٱلثمانينات من ٱلقرن ٱلماضى، و ٱلمحافظة فى أمس حاجتها لكادر من نوعية "على ٱلأحمدى" _ وهى فترة لقآئى به و معرفتى به، وأنا وقتها حديث ٱلتوظيف فى إدارة ٱلثقافة بٱلمحافظة، ونشَأت بيننا علاقة حميمة من نوع خاص، لا أعلم أسبابها حتىٰ ٱليوم ...

-هل هى أرواحٌ تآلفت وتعارفت!!؟؟ -هل هى بساطة ذٰلك ٱلإنسان و صدقه و وضوحه مع نفسه ومحيطه !!؟؟حيث كان متواجد فى عاصمة ٱلمحافظة "عتـق" متنقِّلًا، و منتقلًا من وحدة ٱلإرسال ٱلتلفزيونى ٱلخارجى فى "عــدن" إلىٰ "شبـوة" فى تلك ٱلفترة شهدت محافظات ٱلجمهورية ٱلنآئِية تمدد ٱلإرسال ٱلتلفزيونى ٱلرسمى و تركيب أبراج إرسال علىٰ ٱمتداد ٱلمحافظة لتغطية تلفزيون "عـدن" ٱلرسمى، وكان ٱلمسئول ٱلأول على متابعة ٱلتركيب و ٱلتشغيل، و .ٱلصيانة فى تلك ٱلأبراج.

مهما حاولت أن أكتب عنه لا تسعفنى ٱلحروف، و لا تبادرنى ٱلكلمات، وكأنهما

أبَيَا ٱلإصتفاف لرثآئِه، لا ٱعتراضًا علىٰ قدر ٱللَّه! حاشا لِلَّه.!! ولـٰكن حُزنًا و كمَدًا علىٰ فُرقاه ٱلمبكر، و ٱلحمد لِلَّه ٱلذى لا يُحمد علىٰ مكروهٍ سِواه.

أخذتنا ٱلأيام بحلاوتها، وبساطتها، و تنغُّصاتها، و كان ٱلمهندس/ على يرحمه ٱللَّه شُعلةً مُتَّقدة من ٱلنشاط، و ٱلمثابرة، و ٱلإجتهاد، فى ٱلوقت ٱلذى سَخَّرت له ٱلقيادة ٱلسياسية فى ٱلمحافظة وقتها كل ٱلسُّبل ٱلممكنة و ٱلمتاحة، لمواصلة عمله بكل أريحية و نجاح، وكان له ٱلحضور ٱلمُلفت، وٱلإنجاز ٱلمبدع، و لا يخلو عمل من صعوبات فهى بهارات ٱلحياة.

عرفتهما فى فترة وجودهما بٱلعاصمة "عتـق" ثنآئىَّ لا يفترقان ( بدر بامحرز وعلى ٱلأحمدى) رحمهما ٱللَّه جميعًا ... ءَاما قلت لكم بأن ٱلرفاق ٱلمميزين بدأوا ينسلُّوا من حياتنا وكأنهم حسُّوا بأن ٱلزمن ليس بزمانهم، وٱختاروا ٱلرحيل ٱلمبكر، رحم ٱللَّه كل من غادرنا وأسكنهم فسيح جناته.

و علىٰ قدر حُزنى علىٰ فراق أخى و صنوة ٱلرُّوح "على ٱلأحمدى" حاولت متحاملّا أن أُرثيه بما أسعفتنى ٱلمشاعر من أحاسيس، و ٱلحروف من هواجيس، تمنيت لو إنى قد قلتها فى حضوره وليس فى رحيله.

قلت فيها :

 

ما هو بسهلٍ رحيل ٱلرِّجَـال ٱلصماصيم..

ولا هُـو بعيبٍ يـوم نبكـى ٱلـرُّجُـــوله..

فى ٱلتسع من رمضان شهر ٱلمراحيم.. 

ودعتنـا يا "علـى" و ٱلحَب فى سبوله..

قبـل ٱلفطور ٱبنصف ساعـة وٱنا صيـم..

جانى خبر بن ٱلٱحمدى قالوا ٱدُعـو له..

وٱسترجعت لِلَّه وقلت ٱلحمد لك ديم..

يـارب تغـفــر لــه و تـكــرم نـزولـــه..

مـرحـوم يا رأسٍ فـدتـك ٱلمقـاديـم..

وين ما سُجيـت ٱليوم نرجـى هطـولـه..

غَشَتْكْ سحآئِب رحمته ما ٱرتفع غيـم..

و نـوَّر لك ٱللَّه قــبرك بعـرضـه و طـولــه..

لا هنــت يا رأس ٱلكــرم و ٱلمكـاريـم..

ولا هـانـوا من بعدك رفـاق ٱلطفـولــه..

أعـذر دمـوعـى لا سْفَحَتْ من تسانيم..

ما لى عُـذر فى كل تقصـيرة طويلـه..

أخٍ من غير أمٍّ تجـود به دنيا ٱلتناعيم..

سنتيـن  عشناهـا يا "على" مثـل ليلـه..

أيامها يا على بحبحه ومسك ٱلخواتيم..

فى خورمكسر وتواهى ٱلشواطىء ٱلجميلة..

أذكر رفاق ٱلدرب معنا معـازيـم..

أيام كُنّا بطلعـة "جحاف" ٱلطويلة..

و طلعة ثـرة ذي تزتحـم بٱلمزاحيــم..

رحـلة برحـلــة ألـف ليـلــة و ليـلــة..

أما عتق و جبال شبوة و خا مـيـم..

ذى وحـدهـا أرشـيــف ما فى مثـيلـه..

ولَّا ٱلعند و حكاية  ٱلعـم ٱلعمـاعيم..

خرجنا ٱلحصينى تحت شيذر و شيلـه..

كـم با تـذكَّـر وكـم بذكـر أبو ٱلليــم..

ٱللّٰه يغفـر لك و يجمعنــا بحـولــه..

يعظم أجور ٱلمخوَّة هل حمد بألتعاظيم..

ويخلف لكم خير فى عَقِبـه وسـولـه..

و ٱلختم صلُّـوا علىٰ من حرفه ٱلميـم..

محمـد نبـى ٱللّٰه و عبده و رسـولـه.!