أخبار عدن

رجال الـ (C.I.A) في عدن .. الرئيس علي ناصر يكشف عن عملية إحراق تلك المحافظة


       

رجال الـ (C.I.A) في عدن

 

بعد ان تطرق الرئيس علي ناصر محمد في حديثه السابق حول اختطاف الطائرات وهبوطها في مطار عدن الدولى.. يكشف لنا اليوم عن العمليات السرية الأميركية في اليمن الديمقراطية ..حيث قال مسترسلا:"لكن بعض الدول الغربية لم تستطع أن تتراجع عن موقفها المناوئ لنظامنا، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، حيث دخل رجال الـ (C.I.A) في عمليات سرية كشفنا عنها في وقتها لإحراق عاصمة اليمن الديمقراطية. وكان لا بد أن يؤدي ذلك الموقف إلى بعد الشقة بيننا وبين واشنطن التي لم تتخلّ عن موقفها العدائي طوال سنوات عديدة.

لم يكن الحق يقع علينا وحدنا في استمرار القطيعة بيننا وبين الإدارة الأميركية، فقد كان من الصعب قبول متابعة واشنطن نشاطاتها المعادية لبلادنا، والحديث في الوقت نفسه عن علاقات طيبة وطبيعية بين البلدين. وهذا ما صارحت به المستشرق الأميركي الذي التقيته في صنعاء عام 1988م عندما سألني عن أسباب عدم إقامة علاقات مع بلاده.

 

قطيع العلاقات مع أمريكه

ويمكل الرئيس ناصر حديثه بقوله :" قلت له: لم يبادر أحد إلى تحريك علاقاتنا مع الولايات المتحدة الأميركية، رغم أنه في عام 1976 وعام 1977 لاحت بادرة ما، عندما قام النائب الأميركي «بول فندلي» بزيارة سرية لليمن الديمقراطية والتقى الرئيس سالم ربيع علي في مكتبه مساء اليوم الذي سبق رحيله، وقال في كتابه من يجرؤ على الكلام: «استقبلني الرئيس سالم ربيع علي داخل مقره المحاط بحراسة شديدة، وهو يضمّ منزله ومكاتبه. وقد أدخلوني إلى قاعة استقبال مستطيلة تزينها طنافس زرقاء مشجرة وستائر ذهبية تغطي جدرانها الثلاثة، أما الجدار الرابع فينفتح على فناء فسيح وراء المقر، وعلقت بالسقف المراوح في صفين متقابلين. وفي وسط القاعة مجموعة وحيدة من الأرائك والمقاعد المذهبة التنجيد، وما إن بلغت دائرة المفروشات حتى دخل الرئيس بصحبة وزير خارجيته ومترجم من الباب الذي دخلت منه. ولم أكن بحاجة إلى من يعرِّفني بالرئيس العدني، إذ رأيته في الصور المعلقة في أماكن عديدة من عدن، إلا أن تلك الصور والحق يقال لم تكن منصفة له، فهو رجل مديد القامة قوي البنية وهو في الأربعين من عمره، وقد خالط شعره الأسود بعض البياض، أسمر البشرة جليل في مشيته ومجلسه. وكان يتكلم بصوت ناعم، وتلمع سنّاه الذهبيتان كلما انشقّ فمه عن ابتسامة رقيقة. وكان ينتظر كتاب «كيسنجر» الذي يدل على الوزن الذي تعلقه الولايات المتحدة على مهمتي. وعندما سلمته إياه، حاولت أن أتوسع في شرح أهميته. قلت: لعل فخامتكم تسمحون لي بالإدلاء ببعض الشروح. إن هذا الكتاب يعرض بصفة رسمية رغبة الولايات المتحدة في إعادة العلاقات الدبلوماسية.. وهذا شيء مهم. وحكومتنا بحاجة إلى هذه العلاقات لتفهم سياسات عدن ومشكلاتها، غير أن رئيس الولايات المتحدة ووزير الخارجية لا يستطيعان تجاوز حدودهما في السياسة الخارجية، ولا يفعلان إلا ما يؤيده الكونغرس، ولذلك فمن المهم أيضاً أن يتفهم أعضاء الكونغرس على نحو أفضل أوضاع عدن والعالم العربي عموماً».

 

عدن  .. والتألق للجمهورية

ويستطرد الرئيس ناصر قائلا :" فردّ علي الرئيس: «إن عدن هي مثل متألق للجمهورية. أما المناطق الأخرى من بلادنا فوضعها مختلف جداً، وسكانها أكثر فقراً». وهنا كنت أغصّ بريقي. إذ لم أشاهد غير عدن، وقد هالني الفقر المدقع الذي يعيشه هذا (المثل المتألق) الذي ضربه الرئيس علي، فكيف تكون الحال في الأماكن الأخرى؟

وصارحني الرئيس بسبب حالة التوتر بين بلاده والولايات المتحدة حيث قال: «إن شعبنا يعتقد أن كل المآسي وكل الأضرار الناجمة عن أعمال المخربين هي في الحقيقة من فعل الحكومة الأميركية، فجميع العتاد الذي صادرناه من صنع أميركي»، وأردف قائلاً: «إنني أحبذ إقامة علاقات مع الولايات المتحدة، ولكن يجب أن تكون ذات صلة بالأمور التي يشكو منها شعبي الآن، وإن عدن لا ترغب في الانعزال عن الولايات المتحدة».

أما بخصوص السجين «فرانكلين» فحالما علم باهتمامي به، أكد أنه يلقى معاملة تفضيلية وقال عند توديعه لي: «بوسعك الآن أن تأخذه وقت تشاء». لم أكد أصدق ما سمعت «وبوسعك الآن أن تأخذه وقت تشاء». وقد غمرتني الفرحة، حتى أنني عثرت أثناء خروجي من القاعة وبالفعل وجدته بانتظاري في شقتي. وفي الساعة السادسة من صباح اليوم التالي كنا معاً على متن الطائرة المتجهة إلى بيروت، فنيويورك، فسانت لويس حيث رحبت أسرة فرنكلين بعودته إلى بيته.

ويتابع الرئيس ناصر حديثه :" وأنا على يقين أن السبب الرئيس في الإفراج عن فرانكلين، كان اتجاه حكومة عدن نحو البحث بكل حذر عن علاقات فضلى مع الولايات المتحدة. وفي وزارة الخارجية الأميركية كان بعض (الخبراء في الشؤون العربية) ما زالوا غاضبين من النظام في عدن واعتبروا عدن (مجرد مكان لتدريب الإرهابيين من منظمة التحرير الفلسطينية)، بينما يرى آخرون، مثل وزير الخارجية هنري كيسنجر، خلاف ذلك، غير أن الحكومة الأميركية تلكأت وتهربت من الجواب وتأخرت ثلاث سنوات. وحلّ جيمي كارتر محل جيرالد فورد في البيت الأبيض، وأصبح سايروس فانس وزيراً للخارجية. وقد رفضت حكومتنا طلب عدن شراء القمح بالدين، ثم رفضت عرضها لشراء ثلاث طائرات أميركية مستعملة، ومضت تؤجل حتى المحادثات التمهيدية.

 

سالمين يرغب في تجديد العلاقات مع امريكا

ويردف الرئيس ناصر حديثه ويقول :" وعند اجتماعي الثاني بالرئيس العدني سالم ربيع علي في أيلول/سبتمبر 1977 في نيويورك حيث ألقى خطاباً في الأمم المتحدة، أعرب من جديد عن رغبته في تجديد العلاقات مع الولايات المتحدة، واقترح أن أرفع تقريراً عن محادثاتنا إلى وزير الخارجية سايروس فانس، ففعلت. وكانت النتيجة اتفاق فانس ووزير خارجية اليمن السيد مطيع، على عقد محادثات استطلاعية، فبدا ذلك لي خطوة تقدمية رائعة. وكان المفروض أن تبدأ المحادثات في عدن خلال أسابيع قليلة، ولكن يا للأسف حدث تسويف في الموضوع!

ولم يكن قد تحدد موعد لهذه المحادثات عندما عدت إلى الشرق الأوسط مع عدد من أعضاء الكونغرس الآخرين في كانون الثاني/يناير 1978، وأجريت تعديلاً في برنامجي ليتسنى لي القيام بزيارة جانبية لعدن.

وقبل أن أترك الفريق اجتمعنا إلى وزير الخارجية فانس الذي حدث أن تقاطعت رحلاته مع رحلاتنا، واجتمعنا إلى وليّ العهد السعودي الأمير فهد، وهو شخص ضخم البنية، مثير للإعجاب، يتكلم الإنكليزية بفصاحة، وأصبح فيما بعد عاهل المملكة العربية السعودية.

وأبدى الأمير فهد (يومذاك) تحبيذاً لجهودي في عدن، وطلب إليّ أن أبلغ المسؤولين فيها أن المملكة العربية السعودية مستعدة لاستئناف مدهم بالمساعدات الاقتصادية.

 

العلاقات اليمنية السعودية

ويقول الرئيس علي ناصر :" عندما وصلت وزير الخارجية الامريكية  سايروس فانس إلى عدن كان الوضع فيها قد تحسن، إذ تبادلت اليمن الجنوبية السفراء مع عدوتها اللدود السابقة العربية السعودية، على الرغم من استمرار المنازعات الإقليمية بينهما.

وكانت عدن قد وافقت حينئذ على إقامة علاقات دبلوماسية مع الأردن. وتوقفت الإذاعة المحلية عن بثّ التعليقات المعادية (للاستعماريين) الأميركيين والسعوديين. وقد رافقتني هذه المرة زوجتي لوسيل، فخصص لنا قصر الضيافة الذي حللت به في المرة السابقة، إلا أن التغيير الوحيد الذي طرأ وجود براد مليء بأصناف شتى من المأكولات والمشروبات. واستقبلنا الرئيس علي في القاعة الرحبة إياها مع ثلة من حرس الشرف.

 ويقول الرئيس ناصر  في حديثه :" ومع أنه تجنب التعليق على عرض المساعدة السعودية، فقد تحدث بحماسة عن وليّ العهد فهد، ومضى يقول: «إننا بانتظار وصول الوفد الأميركي من الولايات المتحدة قبل نهاية الشهر الحالي». عندئذ ذبت خجلاً، إذ كنت أعلم أن الوفد لن يأتي في ذلك الشهر، بل إن سفره أرجئ إلى أجل غير محدد. وقبل أيام قليلة أبلغني فانس هذا الخبر السيئ، ولكنه لم يوضح السبب، فقلت عسى أن يكون الرئيس العدني قد أشعر بهذا التأخير.

فأجاب فانس: «سأتحقق من ذلك». ولكن، يا للأسف، لم يتحقق شيء من هذا القبيل!

وهكذا ظل ربيع علي ينتظر الوفد يوماً بعد يوم، إلا أن الوفد لم يحضر. ولم أجرؤ على مصارحته بالتغيير، فرحت أستمع وأحاول التظاهر بالتفاؤل.

وكنت أدرك أنني لو أبلغته النبأ السيئ لتعزز جانب منتقديه الذين كانوا يعارضون المصالحة مع أميركا.

 

الرئيس كارتر  والرئيس العدني

ويواصل الرئيس علي ناصر قائلا:"وهنا غيرت الموضوع فقلت: «يقول بعض خبرائنا الاستراتيجيين إنكم سمحتم للسوفيات بإقامة قاعدة بحرية هنا، فما تعليقكم على هذا الكلام؟». فاعترض بشدة قائلاً: «هذا غير صحيح. فنحن لا نسمح للسوفيات أو أية دولة أجنبية أخرى بإقامة قاعدة عسكرية على أراضينا إلا أننا نتعاون مع السوفيات لأنهم يساعدوننا». وختم الرئيس حديثه بأن حمّلني رسالة إلى واشنطن يقول فيها:

«أرجوك أن تبلغ تحياتي الحارة إلى الرئيس كارتر، وتعلمه أننا تواقون إلى الاحتفاظ بعلاقات ودية بين اليمن الديمقراطية والولايات المتحدة. ونحن نعلم أن الرئيس كارتر مهتم بالاحتفاظ بعلاقات ودية مع جميع البلدان، وندرك أن هذه سياسة إيجابية. ونعتقد أنه ينبغي زيادة تدعيم علاقاتنا».

وبعد شهر تمكنت من عرض هذا الطلب على الرئيس جيمي كارتر شخصياً في البيت الأبيض وقال لي إنه «دهش ومسرور» برسالة الرئيس العدني.

وشكرني كارتر وقال، مثل ما سبق أن قال فانس: «سأهتم بهذا الموضوع»

وقد صدق كارتر في وعده، فبعد خمسة أشهر من آخر لقاء لي مع الرئيس علي، رتب فريق من وزارة الخارجية زيارة إلى عدن في 26 حزيران/يونيو 1978 لإجراء (محادثات استطلاعية) والبحث (بطريقة غير ملزمة) في استئناف المفاوضات الدبلوماسية. وكان المفروض أن يستقبل الرئيس علي الفريق يوم وصوله، إلا أن أحداث عام 1978م حالت دون ذلك، واتصل بي السفير عبد الله الأشطل عبر الهاتف من نيويورك ليخبرني أن الوفد سيكون موضع ترحيب من قبل القيادة الجديدة، إلا أن الرحلة كانت قد ألغيت. وقد غمَّني جداً إعدام سالم ربيع علي، فطلبت من الأشطل تفسيراً لذلك، فأجابني بأنها «مسألة داخلية لا دخل للعالم الخارجي بها». وقد حرصت على إضافة هذه الفقرة من كتاب فندلي «من يجرؤ على الكلام» لأهميتها وأعود لمتابعة حديث المستشرق الأميركي.

ويستدرك الرئيس ناصر حديثه وقال :" لكن الاتصالات توقفت على الرغم من أننا كنا ننتهج سياسة سلمية، وطبّعنا علاقاتنا مع الدول المجاورة، ودعونا الجميع إلى تطبيع علاقاتهم مع بلدنا، [لكن وكالة المخابرات المركزية الـ(C.I.A) أرسلت فرق الموت إلى داخل أراضينا لإحراق عاصمة بلادنا في عام 1982م]. وكنا نعرف هذه الحقيقة من واقع اعترافات أفراد العصابة التي ألقينا القبض عليها، وذلك قبل أن يكشف عنها «بوب وودورد» في كتابه «الحجاب» الذي يتحدث فيه عن العمليات السرية للـ (C.I.A). وفي الوقت نفسه كانت إدارتكم تجند عدداً من دبلوماسيينا في البلدان العربية والأوروبية للتجسس على بلادهم، وتجري قواتكم مناورات عسكرية استفزازية على الحدود العمانية اليمنية.

 

علّق المستشرق الأميركي: هذه فعلاً حماقات!

وأضاف: لقد طلب العمانيون أن يبقى أمر المناورة سراً، لكن الأجهزة المختصة في الولايات المتحدة أصرت على أن تكون المناورة علنية إمعاناً في الاستفزاز.

 

قلت له: هل رأيت؟! أظن أنك تفهم الآن مجمل الأسباب، ومع ذلك لو تمت بادرة حُسن نية من قبلكم لما رفضناها.

 

عزا ألفرد هاليداي «تأزم العلاقات بين عدن وواشنطن في كتابه الذي سبقت الإشارة إليه، إلى الحرب بين صنعاء وعدن في عام 1979م، وبروز قضية لها دور في زيادة تأزم العلاقات بين البلدين، وهي قضية الإرهاب، حيث هاجم الكونغرس والصحافة الأميركية اليمن الجنوبي واتهماه بالإرهاب، وأصبحت هذه القضية في صلب اهتمام السياسة الأميركية والقوانين الأميركية. واستناداً إلى وثائق متبادلة بين الخارجية الأميركية والسيناتور «جاكوب جافيش» اتضح أن الخارجية الأميركية قد سمّت اليمن الجنوبي إضافة إلى العراق وليبيا والصومال دولاً داعمة للإرهاب، وفرضت حظراً على توريد الأسلحة إلى الدول الموضوعة على هذه القائمة، ووقفت في وجه شراء اليمن الجنوبي طائرات البوينغ المدنية لشركة الخطوط الجوية اليمنية (اليمدا)».وأضاف هاليداي: «وقد أصبح علي ناصر محمد رئيساً لليمن الجنوبي عام 1980م واتسم عهده بمرونة واضحة في السياسة الخارجية، إلّا أن ذلك لم يؤدِّ إلى تحسين العلاقات مع واشنطن».