أدب وثقافة

كاتبة توثق التجارب المسرحية في سلطنة عمان داعية إلى استلهام التراث


       

كرست الكاتبة المسرحية والمخرجة والممثلة العمانية علياء البلوشي حياتها للإبداع الأدبي والفني، وهي تعتبر من الأسماء اللامعة في مجالات الكتابة المسرحية والنقد الأدبي في سلطنة عمان. وتعدّ أعمالها تتويجًا للأصالة والعراقة، حيث تستلهم من الموروث الشعبي العماني وتقنيات السرد التقليدي، رغم أنها قضت حياتها تنتقل بين العواصم الأوروبية والعربية إلا أنها تحمل بلدها عمان بداخلها في كل محطة تنزل بها، ولم تلهها الغربة عن وطنها وقضايا الفن والإبداع.

وفي إطار فعاليات مهرجان المسرح العربي والذي يقام في العاصمة العمانية مسقط في الفترة من 9 إلى 15 يناير 2025 صدر للبلوشي كتاب “المسرح العماني بين الموروث والفرجة”، ويتناول فن الأداء المسرحي الشعبي في سلطنة عمان، ويعرض رؤية شاملة حول كيفية توظيف التراث الشعبي والهوية العمانية في المسرح.

الاستلهام من التراث

تقول البلوشي لـ”العرب” إن الكتاب يبدأ بالتأكيد على صعوبة تحديد مفهوم الأداء ودوره في التعبير عن التجارب الإنسانية، مشيرا إلى أهمية الوعي الجمالي في الممارسات المسرحية والثقافية، ولافتا إلى دور الحكواتي كأحد رموز الأداء الشعبي في عمان، حيث يبرز كيفية تجسيد الشخصيات والأساطير الشعبية من خلالها. كما يقدم شرحًا مفصلًا للأداء التمثيلي الشعبي، ويقدم مقارنة بينه وبين أشكال المسرح الأوروبية، ليبرز الخصوصية العمانية.

وتضيف “تطرقت إلى تمثيل الفنون الشعبية العمانية، مثل فن الرزحة، وفن الحكواتي، وغيرهما،” موضحة دورها في “تعزيز الهوية الثقافية والتقاليد المحلية. وكذلك قدمت قراءات مهمة لإبداعات الكتاب المسرحيين العمانيين، مع التركيز على أعمال عبدالكريم بن جواد ومسرحيته ‘البراقع‘، حيث تُظهر إسقاطات الواقع الاجتماعي على ممارسات الحياة اليومية، مع تسليط الضوء على قضايا المرأة والعلاقات الاجتماعية.”

وتؤكد البلوشي أن الكتاب يعتبر دعوة لبحث أعمق في التراث العماني ودوره في تشكيل الفنون المسرحية، وكذلك ضرورة المحافظة على الهويات الثقافية في مواجهة العولمة والتغيرات الاجتماعية. كما يُلقي الضوء على أهمية استلهام التراث كمصدر إلهام لإنتاج فني مُثقف وواعٍ، يسهم في تطوير فنون الأداء ويساعد على استدامتها للأجيال القادمة.

وحول جمعها بين الكتابة والإخراج والتمثيل ترى البلوشي أن ذلك محصلة طبيعية حيث ترعرعت في بيئة ثقافية غنية تعكس التراث والتقاليد العمانية. وحصلت على شهادة الفنون المسرحية من جامعة السلطان قابوس، كما أظهرت شغفًا مبكرًا بالكتابة والفنون المسرحية. وتأثرت بالتراث الشعبي العماني وأصوله، مما ساهم في تشكيل أسلوبها في الكتابة الدرامية وأيضا في الرؤية الإخراجية والتمثيل.

وتعتبر أعمال البلوشي المسرحية (في التمثيل والإخراج) تجسيدًا للقضايا الاجتماعية والإنسانية التي تواجه المجتمع العماني، حيث تتميز بالنقد البناء والعمق الفكري. فمن خلال مسرحياتها، تهدف إلى الكشف عن تعقيدات الهوية الإنسانية وقضايا النساء في المجتمع، مما يجعلها صوتًا مؤثرًا في المشهد الثقافي العماني.

وتقول “قدمت العديد من العروض المسرحية التي استلهمت من التراث العماني. وكنت أول عمانية تمثل وتطأ قدماها مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية، بتقديمها عرضين مونودراما ‘رأس خارج القانون‘ للكاتب عبدالرزاق الربيعي والمخرج خليفة الحراصي، و‘الحقيقة العارية‘ من إخراجي، وترشحت فيه لجائزة أفضل ممثلة مونودراما. إنني أسعى من خلال أعمالي إلى إعادة إحياء الحكايات الشعبية والأغاني التقليدية، مع إضافة لمسات معاصرة، مما يعكس رغبتي في تعميق الفهم الثقافي وتأكيد الهوية الوطنية.”

وتؤكد البلوشي لـ”العرب” أن الموروث العماني بالنسبة إليها كنز حقيقي جامع لأنواع الفنون. إنه يعكس تاريخًا عريقًا وثقافة غنية ظلّت محفوظة عبر الأجيال. مضيفة “إن كل بناء أو نقش أثري وكل سيرة شعبية وكل تراث شعري وسردي، وكل حكاية رواها آباؤنا وأجدادنا تُعتبر جزءًا من هويتنا الحضارية والثقافية. إنني بشكل خاص، أستمدّ من كل هذا الإرث الإلهام للعمل في جميع مسرحياتي، لأتحدث عن قضايا المجتمع وتحدياته بطريقة فنية، مما يساهم في إعادة إحياء التراث واستمراريته في عصرنا الحالي.”

وتتابع “أعتقد أن التركيز على الموروث يعكس قوّة أصالة الثقافة العمانية. في وقتنا الحالي، تتسارع التغيرات العالمية وتؤثر على مجتمعاتنا، مما قد يُحاكي فقدان الهوية الثقافية. لذا، من المهم إعادة إدماجه واستلهامه في الفنون، لنبقي أصالته حية وموجودة في الذاكرة الجمعية. وأرى أن المسرح يشكل أداة فعالة لتحقيق ذلك، فهو يوفر منصة للتعبير عن قضايا الناس واحتياجاتهم عبر التجسيد.”

المؤسسات الثقافية

في ما يتعلق بمراجعاتها للمسرحيين العمانيين، وهل تعتقد أن هناك ندرة في الكتب والمراجع الخاصة بالمسرح العماني؟ وكيف تساهم في هذا المجال؟ تقول البلوشي “بالتأكيد، هناك نقص ملحوظ في المراجعات والدراسات الأكاديمية المتخصصة في المسرح العماني. لذلك، أعمل على تسليط الضوء على هذه الجوانب في مقالاتي وأبحاثي. أعتقد أن من المهم أن يتم توثيق التجارب المسرحية العمانية وإصدار مراجع تتناولها، وهذا سيساهم في فهم أعمق لهذا الفن، وأيضًا في توعية الأجيال القادمة بأهمية المسرح كمكون ثقافي.”

وتشير إلى أنها تعمل حاليًا على مشروع مسرحي جديد يستلهم من الحكايات الشعبية العمانية، كما أنها تعتزم إجراء ورش عمل لتدريب الشباب على كتابة المسرحيات، حيث تؤمن بأهمية أن نغرس في نفوسهم حبّ الموروث وأهمية العمل المسرحي كمؤسسة فنية وثقافية. وترى أن المساعي التي تعمل في اتجاه أخذ هذا التراث وتقديمه بصورة تجديدية، سيكون لها عظيم الأثر على الأجيال القادمة.

وتلف البلوشي إلى أن تركيزها على المشاركات الدولية ينبع من الانفتاح على الخبرات الفنية والجمالية وتحقيق التواصل مع مبدعيها، كما تعتبر هذه المشاركات فرصة لها لإبراز الفن العماني وتاريخه الغني. فمن خلالها تستطيع أن توصل رسالة الثقافة العمانية إلى العالم، وتظهر مدى تنوعها وجمالها.

وتضيف “كما أن الجوائز التي حصلت عليها تعكس الجهود التي أبذلها وتشجعني على الاستمرار. كذلك فإن لدى أعمالي صدى عربياً، وهذا يمنحني شعوراً بالفخر والمسؤولية. وإذا استطعت أن أكون سفيرة للفن العماني، فسأكون سعيدة بذلك، لأن الثقافة والفن هما جسر للتواصل بين الشعوب.”

وتؤكد “المؤسسات الثقافية في عمان لا تدعمني وحدي بل تدعم كل الكتاب والفنانين، وتلعب دوراً مهماً في تطوير المشهد الإبداعي والفني على اختلاف مجالاته. إن الدعم الذي تقدمه من خلال الفعاليات، وورش العمل، والمهرجانات والمسابقات يساعد الفنانين على ظهور ملكاتهم الإبداعية وتطويرها. لكنها ترى أن هناك المزيد مما يمكن فعله لدعم الفنانين الناشئين خاصة. أيضا للأسف، في بعض الأحيان يتم اختيار أشخاص لا يمتلكون الرؤية أو الدراية الكافية لتولي المناصب الثقافية، مما يؤثر سلبًا على تطوير المشهد. وأعتقد أنه يجب إعادة التفكير في معايير اختيار القائمين على المؤسسات الثقافية.”

وحول ابتعادها عن الوسط الثقافي في عمان وأسبابه، تقول البلوشي “كان هذا قراراً صعباً. شعرت أحياناً أنني لا أجد الدعم الكافي أو البيئة المناسبة لتحقيق رؤيتي الفنية. أحتاج إلى مساحة للإبداع والاستكشاف بعيداً عن القيود، ولهذا قمت بتوسيع نطاق أعمالي إلى أسواق أخرى.”