"الجزائر اليهودية" يثير ضجة في البلاد
أثار حفل توقيع لكتاب “الجزائر اليهودية” للكاتبة الجزائرية – الفرنسية هيديا بن ساحلي، كان من المقرر أن يقام السبت، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي تسبب في إلغائه. وسرعان ما انتقل الجدل إلى أروقة البرلمان.
وألغت مكتبة “أقوال الشجرة” في العاصمة الجزائرية حفل التوقيع بسبب مضمون الكتاب، واضطرت إدارة المكتبة إلى اتخاذ قرار الإلغاء بعد انتقادات واسعة تلقتها من قبل نقاد وناشطين عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
ويدافع كتاب “الجزائر اليهودية، أنا الآخر الذي أعرفه قليلاً”، عن وجود اليهود في الجزائر، مع مقدمة للكاتبة الإسرائيلية فاليري زيناتي. وهاجم نشطاء في الجزائر مكتبة “أقوال الشجرة” مستغربين جرأتها بطرح الكتاب واحتضان الكاتبة وتنظيم حفل بيع بالتوقيع.
وانقسمت الآراء بعد إلغاء حفل التوقيع بين من يعتبر الأمر يندرج ضمن سياسة التّطبيع الثّقافي وبين آخرين يؤكدون أنها الحقيقة فلماذا يجب أن تطمس.
دخلت قضية كتاب “الجزائر اليهودية” أروقة البرلمان الجزائري، بمساءلة وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، حول حفل توقيع هذا الكتاب الذي أثار ضجة كبرى على مواقع التواصل.
ووجه النائب زهير فارس، ممثل الدائرة الانتخابية للبليدة عن حركة البناء الوطني، مراسلة إلى وزيرة الثقافة والفنون، يطالب فيها بالتدخل العاجل لإيقاف حفل توقيع وبيع الكتاب.
واعتبر النائب أن هذا الحدث الثقافي، الذي يروج له منظموه باعتباره “انفتاحًا على الثقافات وتشجيعًا للكتابة الحرة”، يشكل في نظر العديد من الجزائريين “تطبيعًا ثقافيًا مع الكيان الصهيوني الغاصب”، وهو ما يتناقض، حسبه، مع المواقف الثابتة للحكومة والشعب الجزائريين فيما يخص دعم القضية الفلسطينية.
ودعا فارس وزيرة الثقافة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذا الحدث الذي وصفه بأنه لا يتماشى مع مبادئ الجزائر الثورية ومواقفها الداعمة للقضايا العادلة.
وشدّد على أن تنظيم مثل هذه الفعاليات قد يثير ردود فعل سلبية لدى الجزائريين المتمسكين بقناعاتهم الرافضة لأي شكل من أشكال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وقال ناشط منتقدا ما أسماه “سياسة التطبيع الثقافي”:
وقال معلق:
وعلق مدير معهد التدريب والاستشارات الدولي في الجزائر رمضان جبارني قائلا:
واعتبر الروائي السعيد بوطاجين أن العنوان نفسه “الجزائر اليهودية” يحمل دلالات استفزازية، متسائلا “لماذا لم تختَر الكاتبة عنوانا أكثر دقة مثل ‘يهود الجزائر’ أو ‘الجزائريون اليهود'”؟
ويرى بوطاجين أن العنوان ليس مريبا فحسب، بل يروّج سرديات تعزز المزاعم الصهيونية حول التعايش اليهودي في الجزائر بطريقة تمهد للتطبيع. كما أبدى استياءه من اختيار إسرائيلية لكتابة المقدمة، واصفا الاختيار بغير البريء وأنّه يعكس توجهات تتنافى مع قيم المجتمع الجزائري.
وكتب معلق:
ومن جانبها نفت بن ساحلي بشدة أن تكون قد ألفت الكتاب تحت ضغوط سياسية أو بتوجيه من جهات معينة وأكدت أن توقيت نشره كان صدفة بحتة، حيث صدر في سبتمبر 2023. وفي حوار صحفي دافعت هادية بن ساحلي عن كتابها الذي صدر في فرنسا أوّلاً، وقالت إنّ ليس هناك أيّة علاقة للعمل بـ”الصراع في فسلطين”، مضيفة “أتناول جانباً من جوانب التاريخ باعتباره إحدى الحقائق التي يجب وضعها في سياق الزمان والمكان، في قلب الأحداث التي ميّزت تاريخ الجزائر، وليس من خلال قراءتها في ظلّ الصراعات العالمية”.
من جهته، رأى الكاتب واسيني الأعرج أنّه لا يمكن محاكمة كتاب من دون الاطلاع عليه، مضيفاً أنّ “الإقصاء لا يصنع ثقافة ولا أدباً. وكثيراً ما يكون المفعول عكسياً، لأنّ ردّة فعل غير ثقافية وغير مؤسّسة تثير فضول القرّاء الآليّين، فيركضون نحو الكتاب، لا لقراءته، ولكن لردمه دون قراءة مسبقة”.
يذكر أنه سبق أن أثار فيلم وثائقي بعنوان “يهود الجزائر”، عرض على فضائية خاصة عام 2018، ضجة في الأوساط الإعلامية والثقافية ومواقع التواصل الاجتماعي. ويتعامل الجزائريون مع الإنتاجات الثقافية التي تتناول الوجود اليهودي في البلد بالكثير من التدقيق. ويعترف جزائريون بأن ملف يهود الجزائر لا يزال من المحرمات التي يصعب الخوض فيها.
الفيلم من إخراج الجزائري سعيد كسال، وبثته فضائية “الشروق نيوز”، وعرض محطات من تاريخ الوجود اليهودي بالجزائر، منذ أكثر من 2500 سنة. وتحديداً في سنة 1391، في أعقاب ملاحقة يهود إسبانيا، حيث وصل الكثير من اللاجئين اليهود إلى الجزائر، وجعلوا منها مركزاً اقتصادياً وثقافياً.
والفيلم يرصد في 50 دقيقة آثار اليهود وطقوسهم وعاداتهم وتاريخهم في محافظات منها أدرار (جنوب) ووهران وتلمسان (غرب) وقسنطينة (شرق) والعاصمة الجزائر. ويبرز طقوس العبادة والأماكن التي يتعبدون فيها، والقصور التي سكنوها في أدرار، وتحديداً منطقة تمنطيط التي سكنوها سنة 2000 قبل الميلاد (العصور القديمة).
◙ انقسام في الآراء بعد إلغاء حفل توقيع الكتاب بين من يعتبر الأمر يندرج ضمن سياسة التّطبيع الثّقافي فيما يؤكد آخرون أنها الحقيقة فلماذا يجب أن تطمس
ويتضمن شهادة ليهودي، يدعى حسين أو حزين بالعبرية، يتحدث عن حياته في الجزائر والصعوبات التي يواجهها لكونه يهوديا، رغم أنّه جزائري. ويقول حزين في الفيلم “أنا جزائري مثلكم، أحب هذا الوطن، أنا يهودي وأصلي يهودي”. ويرصد المخرج الصراع الذي وقع بين الجزائريين (مسلمين) ويهود قسنطينة، عقب قانون “كريميو” الذي أصدرته السلطات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر (1830 – 1962) سنة 1870، ونص على أنّ يهود الجزائر أصبحوا مواطنين فرنسيين.
وقال المخرج سعيد كسال إن “فكرة إنجاز وثائقي عن اليهود ليست جديدة بالنسبة إلي، إذ سبق وأن نشرت كتاباً في 2008 بعنوان: درب اليهود”. وشدد كسال على أن “اليهود في الجزائر موجودون، ولا يزالون على دين أجدادهم، كما توجد نسبة مهمة من الجزائريين المسلمين حاليا لها أصول يهودية بالعرق”.
وأوضح المخرج أن “العمل لم يبزر طقوساً جماعية لليهود، بل وصل إلى أقدس الأماكن اليهودية في الجزائر والممنوعة طبعاً، ومنها ضريح أفريام نكاوة، وأقدم نقش عبري في أفريقيا، وأقدم كنيس يهودي في شمال أفريقيا”. وعن الهدف من الوثائقي أجاب بأنه “البحث والتحقيق، لنفض الغبار عن حقائق مغيبة كان كثيرون يعتبرونها تابو (لا يجب الخوض فيها)؛ التراكمات التاريخية والسياسية جعلت العديد من الناس لا يفرقون بين اليهودية كدين والصهيونية كمغتصبة للأرض”.
وقال المختص في تاريخ يهود الجزائر فوزي سعدالله إنّ “يهود الجزائر جزائريون، ولهم الحقوق والواجبات نفسها بمقتضى القانون والإسلام والدستور والأخلاق”. وأوضح سعدالله “أقصد اليهود الجزائريين، وليس يهود فرنسا، الذين كانوا جزائريين واختاروا فرنسا، ولا أقصد يهود الصهيونية والمحتلين لفلسطين". وشدد على أن “يهود الجزائر يحق لهم ما يحق لغيرهم من الجزائريين، بعيداً عن الترويج للأفكار الصهيونية والتطبيع مع محتلي فلسطين".
ومضى قائلاً إن “اليهود كانوا جزائريين ثقافة وعادات وطقوسا ومخيالا. منهم مَن جاء من المشرق، ومنهم من قدم من الأندلس والدول المغاربية والغربية، واختلطوا جميعا باليهود الأقدم في البلاد منذ ما قبل الإسلام". وتابع أن “اليهود انصهروا مع غيرهم من المكوِّنات الإثنية والديمغرافية الجزائرية، مع التمسك بخصوصيات طفيفة لكل طائفة".
وعرفت الجزائر منذ العهد الفينيقي على الأرجح وجود العنصر اليهودي في تركيبتها الاجتماعية، وقد كان يلعب دورا هاما في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية على مر الأزمنة. إلا أن أهمية اليهود داخل التركيبة الاجتماعية والحياة السياسية والاقتصادية في الجزائر زادت بشكل كبير بعد الاستعمار الفرنسي.