أخبار وتقارير

كابوس المدنيين.. ألغام الحوثي بين إصرار الجماعة على تدمير اليمن ومساعي "مسام" للتطهير (تقرير)


       

تقرير عين عدن – خاص

 

أصبح المزارعون ومربو المواشي في بلادنا، بسبب تلغيم جماعة الحوثي لأراضيهم الزراعية، ضمن قائمة الضحايا والمُعاقين، وباتت الحياة اليومية مُرعبة لهم، على كافة المستويات، فالموت يُطاردهم أينما ذهبوا، وأرزاقهم  أصبحت على مهب الريح، لا لشئ إلا لأنهم أرادوا أن يُحيوا الأرض التي تحاول (ذراع إيران في اليمن) إماتتها وتحويل بلادنا من اليمن السعيد إلى مُنطلق للعمليات الإرهابية التي تستهدف الملاحة الدولية ودول الجوار.

 

تلغيم بطريقة عشوائية

ليست هُنالك إحصائية رسمية بإجمالي المساحات الخضراء الملوثة بالألغام الحوثية في اليمن، خصوصاً أن عوامل طبيعية مثل الأمطار تساهم في نقل حقول الألغام من مكان إلى آخر، ناهيك أن عملية التلغيم جرت بطريقة عشوائية، وهذا ما جعل فرق نزع الألغام تتعامل مع كافة المناطق التي كانت مسرحاً للاشتباكات والمعارك على أنها مناطق ملغّمة.

 

ألغام مُحرمة دولياً

وطبقاً لتقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش، فإن قوات الحوثيين زرعت الألغام الفردية المحرمة دولياً على نطاق واسع في كثير من المناطق اليمنية، بالإضافة إلى أنواع وأحجام مختلفة من العبوات الناسفة. وتشير إحصائيات إلى أن عدد هذه الألغام تجاوز المليونين، وهي أكبر عملية زرع للألغام الأرضية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

 

تراجع المساحات المزروعة

وتسببت هذه الألغام بتراجع المساحات المزروعة في عموم البلاد، والتي كانت تشكّل قبل اندلاع الحرب أكثر من مليون هكتار، وهي ثلاثة أرباع المساحة الصالحة للزراعة، كما يشكل عدد العاملين في القطاع الزراعي نحو نصف إجمالي القوى العاملة، بنحو مليوني شخص.

 

أثر على ملايين السُكان

وحسب تقارير أممية، فإن الثمن الأعلى الذي يدفعه اليمنيون اليوم، يكمن في زراعة الألغام في جميع أرجاء البلاد، والتي ستترك أثرها على ملايين السكان، حيث يروي أحد المواطنين حادثة تعرضه لانفجار لغم فردي، في مزرعته الواقعة في منطقة حسن بن علوان في مديرية المخاء: "خرجت من البيت لأرعى الأغنام، وقتها لم نكن نعلم بأن مزرعتي ملغمة، وبمجرد وصولي إليها وبشكل مفاجئ سمعت صوت انفجار لغم بتر ساقي اليسرى وفقأ عيني، وقت الحادثة كنت أبحث عن قدمي وأنا ملطخ بالدماء"، وتابع في تصريحات صحفية: "بعد إصابتي نزحت بأسرتي إلى عدن، لكن ظروف المعيشة أجبرتني على العودة، لم تمضِ أيام كثيرة على عودتنا، حتى تعرضت زوجتي لنفس الحادثة، وبُترت ساقها اليمنى، وأصبحنا معاقين لا نقدر على السير إلا بواسطة الأطراف الصناعية".

 

كابوسا للمدنيين

من جانبه، قال الناشط الحقوقي محمد الشلي: "تُمثل الألغام في المناطق الزراعية كابوساً للمدنيين، كثيرون فقدوا مصدر رزقهم وتشردوا بسببها، عندما تملك مزرعة ملوثة بالألغام تعتبرها مصدر رزقك الوحيد، فأنت بالتأكيد لا تستطيع الزراعة فيها أو حراثتها، وبالتالي تجف الأرض وتنتهي".

 

ليست الألغام وحدها

وعلى جانب آخر، قال خبير نزع الألغام معين حمزة: "ليست الألغام وحدها ما يهدد حياة المدنيين ومصدر رزقهم، فقد زرع الحوثيون عبوات مموهة بأشكال وأحجام مختلفة، محشوة بمواد شديدة الانفجار، وتعمل بتقنيات متعددة، يمكن أن تنفجر عن طريق الدواسة أو التحكم عن بعد، أو عن طريق الكاميرا الحرارية، بحسب الذي يؤكد بأن التعامل مع هذه الأجسام وتفكيكها مهمة صعبة ومعقدة"، مُشيراً إلى أن "جميع الألغام خطرة، وما يجعلها في اليمن أشد خطورة، هو أن الحوثيين أدخلوا تقنيات جديدة، وابتكروا ألغاماً مموهة مثل الصخرة، وهي عبوات ناسفة على هيئة صخور".

 

اتساع رقعة الأراضي الملغمة

وقال خُبراء، إن ثمة عوامل طبيعية ساهمت وتُساهم في اتساع رقعة الأراضي الملغمة، وتصعّب عملية إزالتها، فالأمطار الموسمية والفيضانات تجرف مواقع الألغام الأساسية إلى مناطق جديدة، حيث أشاروا إلى أنه خلال سنوات، جرفت السيول في اليمن كميات من الألغام، إلى مناطق مأهولة بالسكان ومساحات زراعية في مأرب ومحافظات أخرى، وبين الحين والآخر يحذر المرصد اليمني للألغام المواطنين والمزارعين ويطالبهم بأخذ الحيطة والحذر، مُجدِّداً دعوته المجتمع الدولي لدعم جهود وتطهير المناطق الملوثة.

 

ضرراً على التنوع الحيوي

من جانبه، قال الباحث البيئي عبد القادر الخراز: ""لغّم الحوثيون كثيراً من المساحات الخضراء والمحميات البيئية، وما يسمى بالأراضي الرطبة من غابات المانجروف أو السبخات وغيرها خاصة في المناطق الساحلية، وهذا يعد ضرراً على التنوع الحيوي الموجود في المناطق البحرية، ويؤثر على الكائنات التي تعيش في المنطقة الساحلية، وهناك تنوع كبير معروف لدى اليمن في البيئة البحرية سواء من حيث الأسماك أو النباتات".

 

أضراراً على الصيادين ومرتادي الساحل

وأوضح الباحث البيئي عبد القادر الخراز، أن هناك أضراراً على الصيادين ومرتادي الساحل سواء كمتنفس أو غيره، وكثير من الانفجارات حدثت وأصابت أرواحاً بشرية، مشيراً إلى أن عملية التلغيم شملت مناطق قريبة من الساحل، تعرضت لأضرار بالغة، وهذه تعتبر مناطق بيئية بغض النظر عن كونها مساحة خضراء أو لا، كما أن كثيرين توقفت أعمالهم الزراعية، وتصحرت أراضيهم بسبب الألغام، وهذا ضاعف خسائر القطاع الزراعي، خاصة في ما يتعلق بتراجع كمية إنتاج المحاصيل، وهو ما ألقى بثقله على المزارعين الذين تراجعت أرباحهم بشكل كبير.

 

الحل في تسليم الحوثيين خرائط الألغام

ويرى ناشطون في مجال البيئة، أن الحل الوحيد لتفادي تدهور المساحات الزراعية بسبب الألغام، يتمثل بتسليم الحوثيين الخرائط الخاصة بالمناطق الملغّمة، ليجري نزع مخلفات الحرب منها، واستئناف أعمال الزراعة، وتربية الماشية، مشيرين إلى أن دخول اليمن في مرحلة سلام قد يساهم في التوصل لعملية نزع هذه المخلفات، وعودة مئات المتضررين إلى مناطقهم لممارسة أعمالهم الزراعية، خاصة أن الزراعة تعد مهنة أساسية ومصدر دخل لكثيرين.

 

مواجهة مسام لألغام الحوثي

وسط هذه التعقيدات، يبدو أن تطهير الأراضي الملغّمة مهمة صعبة، إذ يبذل مشروع "مسام" لنزع الألغام، جهوداً كبيرة لتطهير المناطق الملوثة، ويعمل هذا المشروع في ثماني محافظات يمنية، بدءاً من تعز والحديدة ومأرب والجوف، وصولاً إلى حجة وشبوة، مستخدماً تقنيات وأجهزة متطورة لنزع الألغام، حيث نجحت الفرق الميدانية حسب إحصائيات "مسام"، في نزع 430 ألف لغم وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة، وطهرت 54 مليون متر مربع من الأراضي منذ انطلاق المشروع عام 2018، وحتى اليوم.