اليمن في الصحافة

ملحمة جبارة بامتياز.. «طوفان الأقصى» في عيون مثقفي اليمن  


       

منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى»، واليمنيون، على ما في بلدهم من حرب ونزف، في متابعة مستمرة لمستجداتها، وتناقل أخبارها، والتعبير عن مواقفهم منها، على منصات التواصل الاجتماعي؛ بشكل قد تشعر كمتابع أن لا حرب هناك مزقت بلادهم وضاعفت معاناتهم وتهدد مستقبلهم.

 

على الرغم من بقاء اليمن غير مستقر خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وما مضى من عقود القرن الراهن؛ إلا أنه ـ شعبيا- ظل ملتزما مواقف صارمة إزاء قضايا الأمة، وفي مقدمتها فلسطين؛ وهو ما تترجمه، وتعبر عنه بوضوح، اليوم، مواقف المثقفين هناك مما تشهده فلسطين منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى؛ وهو ما استطلعته «القدس العربي» فكانت هذه المحصلة:

 

طائر الفينيق ينهض من رماده

 

الشاعرة هُدى أبلان الأمينة العامة لاتحاد الادباء والكتاب اليمنيين، ترى أن عملية طوفان الأقصى «ملحمة جبارة بامتياز أعادت الحياة للروح العربية، التي عصف بها الخنوع والذل والضعف والانكسار». وقالت: «طوفان الأقصى.. هذا المجد الفلسطيني العربي الذي أينع على أيدي جيل جديد من المقاومين للاحتلال، الرافضين للهيمنة والاستعلاء وتدنيس المقدسات، الذين أعادوا وهج الأمة، التي طالما تمرغ وجهها في التراب على امتداد قرن من المؤامرات والانتهاكات والصفقات المشبوهة والبيع البخس للدماء الزكية». «نحن كمثقفين لا ننطلق من أي عقدة حضارية أو ثقافية ـ تقول هُدى – نحن فاتحو آفاق مع كل الثقافات والآخر. لكن الآخر تمادى في ذبحنا حتى النخاع، واستكبر أن يقبل بتراثنا وحضارتنا وثقافتنا، بل عمل على مسخ كل ما يتصل بنا وصولا إلى تدمير أوطاننا والتنكيل بأحلامنا وتطلعاتنا ومستقل أجيالنا». وتعتقد «أن القضية ليست فلسطينية فقط؛ هي عربية الجرح من المحيط إلى الخليج، هي كرامة واستقلال وحرية. فلسطين رأس حربة لهذا الوجع الذي عبث بشعوبنا طويلا وبجغرافيتها كثيرا. فلسطين اليوم تنتصر وتوحد كل المختلفين حولها من طوائف ومذاهب وأحزاب وسياسات، في واحدة من أعظم ملاحم التاريخ العربي الحديث».

 

وتخلص مؤكدة: «قلوبنا مع الدم الفلسطيني الذي يسيل بعيدا عن المسميات والتصنيفات والانتماءات؛ إنه دعم عربي مفعم بالكبرياء، سيُعيد ترتيب المنطقة من جديد، وسيبث الحياة في العروبة الظامئة إلى الحرية، سيخرج الفينيق من رماده، وقد خرج».

 

قانون الحق

 

المحاضر الأكاديمي والناقد عبد الواسع الحميري، يرى في ما يحدث في فلسطين «عبارة عن رد فعل طبيعي على سلسلة من الأفعال غير الطبيعية التي ولدت شرط مقاومتها، باجتراح أفعال غير مألوفة ولا متوقعة، وهي رسالة لكل مَن يعتمد (قانون القوة) بأن (قانون الحق) أقوى وسلاحه أمضى، وأنه لا بد من أن ينتصر؛ طال الزمن أو قصر».

 

حل عادل

 

كذلك يؤكد الكاتب الصحافي عبدالله الصعفاني، أن «ما حدث ويحدث داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، هو رد فعل طبيعي على كيان اغتصب الأرض العربية الفلسطينية منذ قرابة عقود ثمانية، واستمرأ إذلال شعب سيبقى كما قال الشهيد ياسر عرفات شعب الجبارين». وقال: «لقد مارس الكيان الإسرائيلي المحتل كل أشكال التنكيل والجبروت.. وأغلق الأفق السياسي لحل عادل أو حتى شبه عادل، ليعيش الشعب الفلسطيني مأساة طويلة، ومعاناة غطرسة وجبروت لا حدود لهما… ولا يمكن لكل ذلك إلا توليد الاحتقان الكبير ليكون الانفجار العظيم أبجدية طبيعية لرد الفعل، الذي ينتصر للأرض والعرض، ويُجدد الانتماء إلى قيم الثورة مهما كانت التضحيات».

 

وتابع: «وكالعادة ليس مستغربا أن يتماهى عالم النفاق بقيادة الولايات المتخذة الأمريكية، مع الرغبة الإسرائيلية في إنكار حق الشعب الفلسطيني في استرداد أرضه، والتعبير عن حقه في العيش الكريم بالقوة، بعد أن أدرك أنه لا شيء سيتحقق بالحوار. الاحتلال ينكر حق الشعب الفلسطيني المقهور في تحرير أرضه وإطلاق أسراه، متسلحا بترسانة أسلحة وجبروت هو حصاد ابتزازه القديم المتجدد لعالم النفاق بجهاته الأربع». وأضاف: «على الرغم من عظمة ما قام ويقوم به الشعب الفلسطيني من رد فعل تجاه آلة الحرب الإسرائيلية، فإن كيان الاحتلال مستمر في غطرسته بقصفه العوائل الفلسطينية، وقطع كل أسباب الحياة بصورة جنونية، ترافق ذلك تصريحات تتوعد بتغيير وجه غزة كاملا.. منكرين حق الفلسطينيين في الدفاع عن حقوقهم واسترداد أرضهم المحتلة منذ عام 1948. ومن لا عجب أنه في الوقت الذي كنت فيه كمواطن عربي أتنقل بين قنوات البث الفضائي، وأشعر بالاعتزاز المصحوب بالأمل في إسناد عربي حقيقي، صدمني اجتماع للجامعة العربية يناقش حول طاولة مستديرة، قضايا المناخ والبيئة والخضرة والانبعاث الحراري! مما سبق فإن ما يحدث في فلسطين هو درس أعاد ترتيب أولويات المنطقة العربية، أو لنعد للتسمية الصحيحة، وهي الوطن العربي».

 

هزة عنيفة

 

من جانبه اعتبر الباحث والكاتب لطفي نعمان، ما يحدث في فلسطين هزة عنيفة، وقال: «لا شك في أن ما يحدث في فلسطين يشكل هزة عنيفة تحرك الجمود المخيم على القضية.. وتمهد لنهاية محتومة في الجانب السياسي الإسرائيلي، مهما هدد وتوعد قادة هذا الكيان بتغيير مسار الطوفان، الذي بدأ يجرف أوهام البقاء على حساب معاناة وفناء الآخرين».

 

تطور نوعي

 

فيما وصف الفنان التشكيلي شهاب المقرمي، عملية طوفان الأقصى بالنوعية والدقيقة والذكية، «تجنبت المدنيين رغم أنهم محتلون، وركّزت على الجانب العسكري والحربي». ويرى أنها «تمثل تطورا نوعيا في القوة والإعداد المقاوم. اعتقد أنها تجهيز أولي للمعركة الفاصلة التي نراها قريبة بعد هذا التطور الدقيق والذكي. ومن وجهة نظري أرى أنها مصدر إلهام لجميع المقاومين في العالم، مَن ينشدون تحرير أوطانهم. دعواتنا لرجال المقاومة الفلسطينية بالنصر المؤزر، وحفظ الله أهلنا في غزة وفلسطين عموما».

 

إجهاض

 

أما الكاتب والناقد هائل المذابي، فيعتقد أن ما حدث اليوم في فلسطين كان يفترض أن يحدث منذ خمسين سنة، وقال: « ثمة حكمة مفادها (عندما تنكسر بيضة من خارجها فذلك موت، لكن عندما تنكسر من الداخل فذلك يعني الحياة). وإذا ما أسقطنا أبعاد هذه الحكمة على ما يحدث في فلسطين الآن؛ فسنفهم أن هذا هو ما كان يفترض أن يحدث منذ خمسين عاما؛ ليُكتب لفلسطين النصر والحياة والمجد، أما الانتظار لانتفاضة من خارج حدود فلسطين قبل اشتعال فتيلها من الداخل ففي ذلك إجهاض لأي ثورة ضد العدو المحتل؛ بل على العكس ستزيد العبء على فلسطينيي الداخل، وسيتعاظم إرهاقهم من قبل المحتل، لكن أن توقد نار الانتفاضة من الداخل أولا فلهذا الفعل مفعول العدوى، بل حتى المتقاعسون والمتخاذلون لن يجدوا مفرا حينها من الانتصار لفلسطين، والمبادرة بفعل كل ما يستطاع، بل وأكثر من ذلك». ويؤكد أن «الجميع مسؤول عن هذه القضية، سواء كان فلسطينيا أو غير فلسطيني من أبناء الأمة العربية والإسلامية، أيا كانت مهنته، وأيا كان منصبه، وأيا كانت ثقافته وأيا كان مستواه المعيشي؛ لأنها قضية كرامة وعزة، وليست فقط مجرد قضية أرض أو خلاص من الاحتلال الغاشم».

 

انتصار تاريخي

 

فيما يؤكد الكاتب محمد مصطفى العمراني، أن «المقاومة الفلسطينية حققت من خلال عملية (طوفان الأقصى) انتصارا تاريخيا، حيث أدهشت هذه العملية العسكرية الناجحة العالم أجمع، وجعلت حتى خصومها يعترفون بنجاحها وتفوقها ودقة التخطيط لها، ومن هنا نُحيي أبطال المقاومة الشجعان، ومن خلفهم الشعب الفلسطيني الصامد ونتمنى القبول لشهدائهم والشفاء لجرحاهم». ويرى أن أول ثمار هذه المعركة «أنها حطمت كل ما بنته اسرائيل على مدى عقود من التسلح والتدريب والتصنيع الحربي، ومحاولة رسم صورة أسطورية للجندي الإسرائيلي، هذه الصورة الذهنية في الرأي العام العربي والعالمي انهارت في ساعات، لتظهر حقيقة إسرائيل بجيشها المترهل الرخو، واستخباراتها الفاشلة، وأمنها المتفكك». ويعتقد العمراني، أن المقاومة «حطمت صورة الجندي الإسرائيلي، وجعلته أسيرا ذليلا وأضحوكة في العالم، وهذا يؤكد أن المقاومة رغم شحة إمكانياتها والحصار، الذي تتعرض له استطاعت التخطيط لهذه العملية النوعية بشكل استراتيجي مدروس منذ فترة، ونجحت في التفوق بأهم عوامل الحرب وهو (عامل المفاجأة)، فقامت بمباغتة الجيش الإسرائيلي بهجوم نوعي ناجح، فلم تتمكن استخبارات الكيان من رصد هذه التجهيزات وزمان ومكان الهجوم».

 

ودعا «كل النخب الفاعلة في الأمة العربية والإسلامية إلى التحرك الجاد ونصرة المقاومة بكل الوسائل المشروعة، والضغط على الأنظمة للتحرك والخروج بموقف يتحقق فيه ولو الحد الأدنى من الواجب تجاه إخواننا في غزة».

 

بندقية المقاومة

 

من جانبه اعتبر الشاعر والكاتب فخر العزب، أن «ما يحدث في فلسطين اليوم هو استجابة القدر، الذي استجاب لإرادة شعب يكافح ويناضل من أجل استعادة أرضه المغتصبة، وينتصر لحق الحياة على أرضه ليكون شعبا له دولته المتجذر في تربتها؛ وهذا هو قدر الشعوب الحية التي لا تنكسر ولا تنحني للغاصب المحتل، وعملية «طوفان الأقصى» تأتي في هذا السياق، وهي تعبير عن تلاحم وتوحد الشعب الفلسطيني خلف بندقية المقاومة، التي أثبتت التجارب أنها الطريق الأنجع لاستعادة الحق المسلوب، بعد أن فشلت كل الوسائل الأخرى من المفاوضات إلى محاولة إيجاد حل قائم على دولتين». ويعتقد العزب أن «هدف المعركة اليوم هو الهدف الأسمى، المتمثل بإزالة الكيان المسمى «إسرائيل» من الوجود؛ لأن الحق التاريخي بفلسطين للفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، هو حق لا يمكن تجاهله، أو القفز عليه، ولا يمكن للصهاينة إبادة هذا الشعب وطمسه من الوجود، وبالتالي أرى أن المعركة هي معركة وجود، وليست صراعا يقبل القسمة على اثنين، معركة نكون أو لا نكون.. فهناك مَن اختار طريق الانبطاح والتطبيع، وهناك مَن اختار طريق العزة والكرامة، وطريق المقاومة حتى استعادة فلسطين من البحر إلى النهر».

 

تحوّل جذري

 

فيما يعتقد الناشط محمد الشميري، أن ما تشهده فلسطين اليوم هو تحول جذري في فعل المقاومة. وقال:» على الرغم من أن ما يحدث في فلسطين ليس بالأمر الجديد، فقد عشنا مع الفلسطينيين الكثير من مآسيهم وويلاتهم… لكن الجديد الآن من وجهة نظري هو هذا التحول الجذري في فعل المقاومة، سواء على مستوى التخطيط والتنفيذ، أو على مستوى تأثير هذا الفعل على الداخل الفلسطيني، وعلى المحيط العربي والإقليمي».

 

وانتقد الشميري التفاعل العربي مع ما يحدث: «لا أدري لماذا كان التفاعل العربي مذلا، مقارنة بالسابق الذي كنا نراه ضعفا؛ فالمتابع لمعظم تصريحات الدول العربية يجد أنها تحمل لغة مختلفة تتجه أبجديتها نحو حصر الفعل المقاوم بحركة حماس لأجل شرعنة إدانتها، وفق التوجه العالمي، الذي يرى حماس منظمة إرهابية، متناسين الابادة الجماعية التي تحدث. يحضرني الآن حي الرمال الذي أصبح بلقعا صفصفا!».

 

لكنه عاد ليقول: «الأمر الايجابي بالنسبة لي هو خطاب السلطة الفلسطينية الذي جاء ذكيا ودقيقا في السير باتجاه حق المقاومة، وترك اي خلاف مع حماس باعتباره شأنا داخليا. من الأشياء التي لفتت نظري أن المواقف الشعبية والرسمية هي نفسها محاصرة بخوارزميات ولغة مواقع التواصل التي يديرها مناصرون للكيان الصهيوني، حيث يتم حذف وتقييد معظم إن لم يكن كل ما يؤيد المقاومة الفلسطينية».