أخبار وتقارير

وديع منصور: الجنوب عانى من التخلف قبل الوحدة


       
قال الكاتب الصحفي وديع منصور ان لا شئ يأتي من فراغ، وما نعيشه في حاضرنا هو غالبا  إمتداد  لما قمنا به في الماضي.
 
وكتب : تريدون أن تعرفوا لماذا تحولت مايفترض انها عاصمة  الى قرية ميؤوس من إعادة رونقها المدني القديم ؟ أم تريدون معرفة لماذا  كان ومازال بلد  متنوع الترواث  فقيرا ومضطربا  لعقود طويلة من الزمن ؟  أو لعلكم تريدون معرفة لماذا لم تتوقف هجرة شعب قليل العدد نسبيا الى كل بقاع العالم تاركا خلفه بلدا توقف عن التطور . واصبح مجرد ساحة صراعات لا تنتهي ؟ 
 
مضيفا إن كنتم تعتقدون أن خطوة توجه الجنوب نحو  الوحدة مع الشمال  كانت الخطوة  المتهورة  الوحيدة  التي  اضرت   بعدن بشكل خاص وبقية مناطق الجنوب،  فأليكم لمحة سريعة عن خطوات  سابقة لا تقل تهورا عن خطوة الوحدة مع الشمال .
 
موضحا أن في  1968 أصدر الحكام الجدد انذاك  قانون بأنهاء  خدمات  كل  الكفاءات المتخصصة ، والذين كانوا يشكلون عصب الجهاز الإداري والمالي  في عدن . وحل محلهم حملة سلاح  وثوار  ومناضلين .. وكانت هذه الخطوة الاولى  من سلسلة خطوات متتالية قادت إلى إطفاء وهج وأحدة من أكثر المدن العربية تطورا وإزدهارا، وفي نفس العام ايضا صدر قانون بتخفيض رواتب موظفي الدولة والجهاز الامني والعسكري.
 
 
مؤكدا أنه سيقت المسيرات التي تهتف بشعار " واجب علينا وأجب تخفيض الرواتب "  هذه الخطوة شكلت بالمعنى الحرفي للكلمات سابقة غريبة  لم يشهدها اي بلد اخر في العالم ، ولم يتظاهر لأجلها أي شعب على وجه الأرض، ومنذ ذلك الوقت لم تتعافى رواتب موظفي القطاع العام ، ولم نرى حتى  مسيرة او تظاهرة واحدة  تطالب برفع الرواتب . إنه أرث التعايش مع الأمر الواقع مهما كان سيئا . او الهروب منه .
 
مستطردا اذا كان من لا يتظاهر من أجل رفع راتبه الضئيل لعقود طويلة ، فكيف سيتظاهر  ضد البسط والبناء العشوائي  الذي جعل من مدينته أكثر  مدن العالم تشوها . كانت  مئات التظاهرات والمسيرات التي خرجت في السابق  تسخر فقط لرفع شعارات التاييد والتضامن . أومن أجل فك الارتباط مع الشمال .  وكان كل شئ أخر على مايرام .
 
في الأعوام  1969 حتى 1972 صدرت مجموعة قوانين أدت  جميعها لنتيجة وأحدة ..  وأحدة فقط .. تخلف إقتصادي  ساحق  ، وهروب   الكفاءات  وإلى الأبد ، وتم تأميم  القطاع الخاص المحلي والاجنبي ، وشركات تجارية ، بنوك ، معامل ، مصانع ، فنادق ،  دور سينما ، عيادات  طبية ،  أبنية سكنية وتجارية  .. وحتى سكن مواطنين .. نعم حتى مساكن المواطنين لم تسلم من حمى التأميم  ..  تتعجبون لماذا يحدث  اليوم كل هذا  البسط على الاراضي في عدن ، ونهب  ممتلكات الدولة والمواطنين ؟ إنه سلوك قديم ، ولكن تم احياءه تحت شعارات جديدة . 
لم تكن الكفاءات المدنية المختصة  هي من يدير شؤون  العاصمة عدن  والمحافظات الجنوبية بعد الاستقلال  ، وقبل الوحدة . ولكن مناضلين . فهل عرفتم الان لماذا  إستقرت وتطورت الدول المجاورة ، وتخلف الجنوب بعد الاستقلال من المحتل الاجنبي ، وقبل التوحد مع أبناء العمومة  ؟
 
مشددا أن القرارات المتهورة  لما عرف حينها بالجبهة القومية حسمت  صراعاتها  مع القوى المنافسة لها،  لكن ماذا كانت النتيجة ؟  انتقلت إليها الصراعات بعد ذلك وانحصرت بداخلها وظلت تكبر وتتعقد عاما بعد أخر ، إلى أن رمت بالبلاد والعباد بخطوة متهورة أخرى مازالت ضريبتها القاسية تدفع حتى اليوم .
 
أكتوبر/تشرين الأول 1978 اتخذ قرار أخر متهور وهو تاسيس حزب اشتراكي بمرجعية ماركسية لينينية في بلد  تعود أصول القبائل فيه إلى بداية التاريخ البشري . وفتح باب الجنوب على مصراعيه للاتحاد السوفيتي . وحينما أنهار الاتحاد السوفيتي  ، نجح البسكويت والعصائر  بإغراء الجنوبيين بالوحدة  مع الشمال  .
 
غزا الانجليز عدن من البحر  قبل أكثر من قرن ونصف . ومنذ ذلك الوقت لم تتعرض عدن لأي غزو بحري .   قال أحد الموظفين الانجليز  الذين قضوا سنوات طويلة في عدن  ، قال لصديقه العدني أثناء وداعه  : أنا اخشى على عدن من برها وليس من بحرها . ولم يفهم الصديق حينها المغزى من هذه العبارة . لكن السنوات اللاحقة فسرت هذه العبارة بوضوح كامل .. فكل  الانقلابات العسكرية ، وكل الزحف القبلي والمناطقي وكل التهيدات التي تعرضت لها عدن بعد ذلك كان مصدرها البر وليس البحر .. الوحدة فرضت بالقوة عبر البر ، الجماعات الارهابية تنشط في البر  ، الحوثيون لم يغزوا عدن من البحر، كل الصراعات القديمة والجديدة  على الحكم كان مددها ياتي من البر ، وأي صراع مستقبلي سيتم دعمه بالزحف من البر .  إنها ساحة أزلية لصراعات برية وليست بحرية.